كانت ومازالت قضايا المرأة في مجتمعنا السعودي تتسم بالسخونة والإشكال والتوتر، محفوفة بالإثارة والحساسية، ولا يخفى على أحد أن من من يناقش ويؤيد قضاياها ويضع اقتراحات في صالحها أحياناً بأنه يدعو إلى الفتنة والتحرر وتهم أخرى كثيرة. ولو عدنا للتاريخ واستحضرنا قضية تعليم المرأة وما صاحبها من جدل وصخب وانقسامات حادة نجد أن من طالب بتعليمها طالته تهمة التكفير والمساس بالعقيدة والمبادئ الأصيلة وكانت المرأة خلال هذه الخصومة حولها هي الغائب الوحيد أو تكاد تكون كذلك. وتداخل الخصوم وما برحوا مع قضاياها وأسئلتها كل وفق أبجديته الدينية والثقافية، وتظل المرأة تلد قضاياها وإشكالاتها كما تلد المختصمين حولها. اليوم.. الواقع يختلف جذرياً، فمع مرور السنوات امتص الوقت كل هذا الغضب، وبدأ الموضوع يخرج من حالة الجديد إلى المعتاد، والجدير بالذكر أن المملكة خطت خطوات كبيرة وجريئة في هذا المجال, ولم يلتفت صناع القرار في المملكة إلى حالة الضجيج التي يصدرها بعض فئات المجتمع التي ترتعب من التغيير حتى وإن كان إيجابياً، بل إنها وضعت آمالاً عريضة على المرأة وقدرتها على المشاركة الفاعلة في صناعة نهضة المملكة من خلال توفير المدارس والجامعات الضخمة وفتح تخصصات جديدة لتنخرط المرأة في شتى المجالات كما كانت حاضرة وبعزة وبهاء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع مناحي الحياة، ولعل القرار التاريخي والاستثنائي بتعيين الدكتورة نورة الفايز نائبة لوزير التعليم خير دليل على عزم السلطة على إشراك المرأة في عملية التنمية في مجال التعليم وغيره من المجالات. رغم هذه الجهود العظيمة التي تبشر بالخير وصدق رغبة القيادة، فوجئت حين نشرت الصحف مؤخراً كماً كبيراً من القرارات التي أصدرها أصحاب القرار في وزارة التربية والتعليم والتي قضت بتعيين وتكليف عدد كبير من مديري التعليم بتولي مسؤولية إدارة تعليم البنات مما أثار أكثر من علامة استفهام, وعرى تناقضاً صارخاً وكشف عدم وضوح الرؤية والتوجه وازدواجية القرارات، فكيف تعين نائبة وزير ولا تفكر وزارة التربية والتعليم مجرد التفكير بتعيين مديرات لتعليم (البنات)؟! هل لا يزال صناع القرار في وزارة التربية والتعليم متوجسين ومترددين في اتخاذ هذا القرار المنصف بحق المرأة؟ فهي الأدرى والأعرف بشؤونها وهمومها وهي الأقرب لآلامها وآمالها. سؤال آخر يطرح نفسه: إذا كان بعض مديري التعليم لم يقوموا بواجبهم على الوجه الأكمل ومازال هناك إشكاليات وثغرات واضحة في إدارتهم لتعليم (البنين) فما بالنا نسند لهم مسؤولية تعليم (البنات) بضمير مطمئن ومرتاح؟ هل عُدمت الكفاءات والقيادات النسائية القادرة على إدارة شؤون تعليم البنات؟ أعتقد أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وهو رجل الإصلاح الأول الذي يقود رحلة شاقة نحو التنمية والحضارة والبناء, أراد أن يشرك بها نصف المجتمع أو (شقائق الرجال) لأنه يثق كل الثقة بقدرتها على خدمة دينها وأمتها ووطنها ومليكها، أعطى إشارة واضحة وضوءاً أخضر لمتابعة الخطى ومنح المرأة أكبر وأهم الفرص والمناصب حينما عيّن د. نورة الفايز بخطوة أولى من نوعها. سمو الوزير فيصل بن عبدالله.. ما زالت المرأة تتساءل عن تأخر تعيينها مديرة لتعليم البنات في مناطق ومحافظات المملكة وتضع آمالاً وطموحات كبيرة في متابعتكم لخطى الملك عبدالله ونهج طريقه ومعاونته على تحقيق حلمه ورؤيته بتطوير التعليم الذي هو أساس كل نهضة وحضارة. أخيراً.. يتوقف التفكير حينما نتوقف عن الانتقاد والتساؤل الذي يطور ويقوي بنية المجتمع حين يكشف الخلل والقصور، فالمجتمعات تحيا بالأسئلة القيمة، وتموت حين تفقد حق السؤال.. والله من وراء القصد. * * *