لا يبذل العالم المنهمك بالمأساة الإنسانية التي تشهدها هايتي وبالحرب الأفغانية وببروز تنظيم «القاعدة» في اليمن سوى جهود قليلة في ما يتعلق بمسألة السودان. لكن، إن تمّ الاستمرار في إهمال معالجة هذا الموضوع، فبوسع الأزمة التي تلوح في الأفق في السودان أن تغطي على كل هذه المسائل. تبدو مشاكل السودان كبيرة إلى حدّ أنه لا يمكن تركها ليحلها السودانيون أو العرب والأفارقة. وعلى رغم الحديث عن عقد قمة أفريقية بدعم من مصر وليبيا بهدف مناقشة مسألة السودان، لم يتم حتى الآن إحراز تقدّم كبير في هذا الاتجاه. ويبدو أن حجم المهمّة قد ولّد شعوراً باليأس. والمطلوب مبادرة دولية، ربما بقيادة مشتركة بين الولاياتالمتحدة والصين، لإنقاذ أكبر بلد في أفريقيا من حرب أهلية جديدة ومن انهيار محتمل للدولة الموحدّة، الأمر الذي قد يخلّف عواقب وخيمة على استقرار معظم الدول في شرق أفريقيا ووسطها. ويخشى بعض المراقبين أن يؤدي انقسام السودان المحتمل إلى نزوح قسري للسكان وجرائم قتل جماعية، ما قد يتسبب بمأساة إنسانية واسعة النطاق تشبه تلك التي تلت انقسام شبه القارة الهندية بين الهند وباكستان عام 1947. يكمن الهدف الفوري في الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي يهدف إلى منع الأمور من الانجراف نحو كارثة. وقد يترتب على الولاياتالمتحدة والصين وحتى بريطانيا والدول الأعضاء الآخرين في الاتحاد الأوروبي اعتماد سياسة لي الذراع من أجل جلب الأطراف المتنازعة كلها إلى الطاولة. لكن يبدو أن هؤلاء يميلون إلى عدم التدخّل في هذا الموضوع على رغم وجود إجماع عام بأن اتفاقية السلام الشامل التي أُبرمت بين شمال السودان وجنوبه في 9 كانون الثاني (يناير) 2005 تواجه خطر الانهيار. فلا يزال عدد من المشاكل التي كان من المفترض أن تعالجها هذه الاتفاقية من دون حلّ. وفي هذا الوقت، يعمل الطرفان على التسلّح بقوة، الأمر الذي أثار المخاوف من إمكان عودة الحرب بين الشمال والجنوب التي دامت 22 سنة والتي توقفت منذ خمس سنوات بفضل اتفاقية السلام الشامل. أصدر كلّ من وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ووزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند ووزير الخارجية النروجي جوناس غوهر شتور في بداية الشهر الجاري وبمناسبة الذكرى الخامسة على إبرام اتفاقية السلام الشامل، بياناً مشتركاً دعوا فيه «كافة الأطراف في السودان إلى الاجتماع مع بعضها البعض من أجل العمل بجدية على معالجة التحديات التي تواجه الشعب». وفي جملة لافتة دلّت على تنصلهم من المشكلة أعلنوا أنه «يجب أن يقوم السودانيون أنفسهم بحلّ المسائل المتعلقة بمستقبل السودان». وقد غطت مسألتان على المسائل المتبقية ألا وهما مستقبل جنوب السودان في حال انهيار اتفاقية السلام الشامل والحرب الأهلية المستمرة التي اندلعت عام 2004 في اقليم دارفور في غرب السودان على الحدود مع التشاد. اجتذبت دارفور في السنوات الأخيرة انتباهاً دولياً أكبر من ذلك الذي حظيت به المشكلة في الجنوب بسبب العنف القاسي الذي لجأت إليه حكومة الخرطوم لسحق حركة التمرّد، مستخدمة أحياناً الميليشيات مثل الجنجاويد الذين قاموا بقتل السكان المحليين واغتصابهم وترحيلهم. ويُقال أنه تمّ قتل بين 200 و400 ألف شخص وتشريد مليونين ونصف مليون شخص. وفي 4 آذار (مارس) 2009، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير بسبب الأعمال التي اتهم بارتكابها، على رغم أنه لم يتم تنفيذ هذا القرار بعد. وقد أجرت دولة قطر وساطة لإقناع زعماء حركة التمرد في دارفور بالمشاركة في محادثات السلام في الدوحة مع الحكومة السودانية إلا أن قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف البشير حال دون التوصل إلى حلّ يتم التفاوض عليه. يبدو أن المخاطر أكبر بكثير في ما يتعلق بالمشكلة بين الجنوب والشمال. فالرئيس البشير في الخرطوم والرئيس سلفاكير ميارديت في مدينة جوبا هما أميرا حرب ولا يميلان إلى التسوية أو المصالحة. لقد أمضيا معظم وقتهما يحاربان بعضهما بعضاً ويبدو أنهما غير مستعدين للتعايش السلمي. يبلغ الرئيس البشير ستة وستين سنة وهو جندي محترف تدرّب في أكاديمية القاهرة العسكرية. كما أنه حارب في صفوف الجيش المصري خلال حرب عام 1973 قبل أن يعود إلى السودان حيث نفّذ عمليات ضد المنشقين الجنوبيين. ووصل عام 1989 إلى السلطة إثر انقلاب عسكري أطاح فيه برئيس الوزراء المنتخب الصادق المهدي. وأصبح رئيساً بعد أربع سنوات، أي في عام 1993. تمثّل حكم عمر البشير في محاولته سحق حركة التمرد في دارفور وفي التقرب من الصين التي كانت تتوق إلى الإفادة من موارد السودان النفطية وفي الموافقة على إعطاء جنوب السودان الحكم الذاتي لمدة ست سنوات واستفتاء على الاستقلال في كانون الثاني (يناير) الجاري، وفي سيطرة حزب المؤتمر الوطني برئاسة البشير على الساحة السياسية، علماً أنه حزب إسلامي وقومي بامتياز والحزب الوحيد المعترف به شرعياً في الدولة. وينبغي طرح الأسئلة المهمة التالية: هل سيسمح حزب المؤتمر الوطني بحصول استفتاء صادق؟ وهل سيقبل بانفصال الجنوب عن الشمال في حال صوّت الشعب مع الاستقلال أم سيلجأ إلى الحرب لمنع حدوث ذلك؟ يبلغ سلفاكير ميارديت من العمر تسعة وخمسين سنة وهو خصم البشير الأساسي ورئيس حكومة جنوب السودان التي تتمتع بحكم ذاتي، وهو أحد مؤسسي الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي قاتل الخرطوم على مدى عقود. في 30 تموز (يوليو) 2005، بعد وفاة جون قرنق الذي كان رئيس جنوب السودان والذي كان يتمتع بحضور قوي، أي بعد أقل من سبعة أشهر على إبرام اتفاقية السلام الشامل، أصبح سلفاكير رئيساً. ومع أن قرنق كان مستعداً للقبول بالحكم الذاتي في إطار السودان الموحّد إلا أن سلفاكير فضّل الحصول على الاستقلال الكامل. وعلى غرار ما يحصل في العراق حيث يتقاتل العرب والأكراد على تقسيم الثروة النفطية، يجب أن يتوصّل شمال السودان وجنوبه إلى اتفاقية نهائية تنص على كيفية تقاسم عائدات الحقول النفطية في مدينة أبيي وهي منطقة تقع على خط الصدع الجنوبي-الشمالي. وقد أُطلق على مدينة أبيي اسم «كشمير السودان». فالنزاع في هذه المنطقة هو قبلي وإثني وعنيف أحياناً. وتسيطر قبيلة «دينكا نجوك» المرتبطة إثنياً بالجنوب على مدينة أبيي إلا أنها تواجه تحدياً من القبيلة العربية «الميسرية» التي ترغب في أن تحظى بحرية التنقل على الأراضي في كل سنة بحثاً عن المياه والكلأ لقطيعها. وقد أدت الصراعات التي اندلعت في السنوات الثلاث الأخيرة إلى مقتل كثيرين وتشريد عشرات الآلاف من الأشخاص. وفيما مال الغرب إلى دعم الجنوبيين، قامت الصين بتسليح حكومة الخرطوم ودعمها وذلك طمعاً بالحصول على مواردها. ولهذا السبب قد يكون التفاهم بين الولاياتالمتحدة والصين ورعايتهما المشتركة لمؤتمر جديد يُعقد من أجل حلّ النزاعات المستمرة، الطريقة الوحيدة لمنع السودان من الانزلاق نحو حرب لا يمكن لأي من الطرفين الفوز فيها. * كاتب بريطاني متخصص في قضايا الشرق الاوسط