اجتازت أوكرانيا أمس، استحقاق انتخابات الرئاسة الذي طال انتظاره، من دون أن تتضح معالم حل الأزمة السياسية المستعصية في البلاد منذ سنوات. وأدلى ملايين الأوكرانيين بأصواتهم في أجواء سيطرت عليها مشاعر عدم الاكتراث بسبب خيبة الأمل من «الثورة البرتقالية» ورموزها، والمخاوف من استمرار تصاعد الأزمة الاقتصادية المستفحلة في البلاد، ما انعكس على حجم الإقبال على صناديق الاقتراع. وغدت النتائج الأولية للانتخابات التي وصفت بأنها ستكون حاسمة ومصيرية، معروفة حتى قبل إغلاق صناديق الاقتراع مساء أمس، إذ أجمعت التقديرات على فشل أي من المرشحين ال18 في تحقيق فوز بالغالبية البسيطة (خمسين في المئة) للفوز من الجولة الأولى. واستدعى ذلك انتقال المرشحين الأساسيين: السياسي المعارض فيكتور يانوكوفيتش زعيم حزب «الأقاليم»، ورئيسة الوزراء يوليا تيموتشينكو، إلى مرحلة جديدة ينتظر أن تكون المنافسة فيها أكثر شدة تمهيداً للجولة الانتخابية الثانية المنتظرة في السابع من شباط (فبراير) المقبل. وكانت الاستطلاعات منحت يانوكوفيتش الخصم العنيد لرموز «الثورة البرتقالية» التي أطاحته العام 2004، نحو 35 في المئة من الأصوات متقدماً على منافسته الرئيسة تيموتشينكو بفارق يزيد على 13 في المئة، فيما حل الرئيس الحالي فيكتور يوشينكو في مرتبة متأخرة دفعت الخبراء إلى إصدار حكم مبكر بخروجه نهائياً من الحياة السياسية بعدما وجه خلافه مع «أميرة الثورة البرتقالية» تيموتشينكو ضربة قاضية لمركزه كزعيم للتيار الليبرالي المؤيد للتقارب مع الغرب على حساب العلاقات مع روسيا. واعتبر خبراء في أوكرانيا تحدثت «الحياة» إليهم هاتفياً أمس، أن مشاعر خيبة الأمل من «الثورات الملونة» كانت أبرز العناصر التي تحكمت بمسار الانتخابات الحالية، بسبب فشل القيادة الأوكرانية في تحقيق وعودها خلال السنوات الخمس الماضية بتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين ورفعها إلى مستوى بلدان الغرب الذي سعى قادة «الثورة البرتقالية» إلى دمج أوكرانيا به. في المقابل، أفسدت سياسة التقارب مع الغرب علاقات كييف وموسكو وأوصلتها إلى أسوأ مرحلة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، ما انعكس على قطاعات واسعة من الأوكرانيين تعتمد على التعاملات مع روسيا في حياتها اليومية. كذلك لفت خبراء إلى أن كلاً من معسكري الصراع أخفق خلال السنوات الخمس الماضية في تثبيت أركان مشروعه السياسي، فلا حزب يانوكوفيتش الذي تؤيده الأقاليم الشرقية الناطقة بالروسية ولا كتلة «الثورة البرتقالية» المدعومة بقوة في الأقاليم الغربية الميالة للاندماج مع أوروبا، تمكنت من تكريس سيطرته والاستئثار بالسلطة وحيداً، ما أسفر عن تعميق الأزمة وإصابة الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد بالشلل، وهذا يفسر ظهور «المفاجأة الوحيدة» في هذه الانتخابات وهي بروز اسم رجل المال سيرغي تيغيبكو الذي أصر في حملته الانتخابية على عدم انتمائه إلى أي من طرفي الشرق أو الغرب. وعلى رغم أن استحقاق الانتخابات ما زال مرشحاً لمزيد من السخونة بعدما بدأت فور إغلاق صناديق الاقتراع أمس، ما وصفت بأنها «المعركة الانتخابية الحقيقية» والمقصود هو السباق بين الطرفين الأقوى يانوكوفيتش وتيموتشينكو لخطف أصوات المرشحين الآخرين الخاسرين، تمهيداً للجولة الانتخابية الثانية، فان فريقاً من المحللين اعتبر أن الانتخابات الحالية لن تنجح مهما كانت هوية الرئيس المقبل للبلاد في حسم «الصراع التاريخي بين المعسكرين في بلد محكوم بالجغرافيا السياسية التي حولته مركزاً أساسياً للصراع بين روسيا والغرب» كما كتب معلق سياسي أوكراني أمس، خصوصاً أن الطرفين لا يمتلكان غالبية نيابية كافية لإدارة شؤون البلاد. وتبدو مقدمات الصراع المقبل واضحة من خلال تصريحات يانوكوفيتش وتيموتشينكو إذ اتهمت الأخيرة منافسها بالجهل وضعف التعليم معتبرة أنه «عار على بلد أوروبي أن لا يعرف رئيسه الفرق بين النمسا وأستراليا»، فيما اتهم يانوكوفيتش رئيسة الوزراء بالكذب وقال إنها «لم تقل الحقيقة ولا مرة واحدة في السنوات الخمس الأخيرة».