لن تخطئ عيناك في «موقف مكة» المخصص لنقل الركاب في منطقة البلد بجدة، ووسط جلبة المكان وزحامه، الشاب السعودي وهو يصرخ وينادي «مكة..مكة» أو «المدينة.. المدينة»، فهذا حالهم في نداء الرزق ومصدر العيش، إذ إن ظروف الحياة رمتهم وسط «بحر لجّي»، يصارعون أمواجه لكسب لقمة العيش ومكابدة العقبات التي تعتريهم. عقبات عدة تعتري حياة الشاب السعودي الذي ينقل الركاب بمركبته الخاصة، أو مركبة الأجرة، والمعروفون ب «الكدّادة السعوديين»، فمن محاربة العمالة الأجنبية لهم على مهنتهم، وصولاً إلى حجز الكثير من مركباتهم في مواقف المرور بسبب التوصيل الخاطئ. خالد الشهراني البالغ من العمر 27 عاماً، شاب جامعي من أولئك الذين تخبطهم السير في الطرقات وطرق أبواب الوظيفة والدوائر الحكومية، فبعد أن أقفلت في وجهه أبواب الوظيفة قبل ثلاث سنوات لجأ إلى نقل الركاب بسيارته الخاصة. يقول «ليس لعائلتي المكونة من 10 أشخاص بعد الله من يعولهم غيري، ويوفر لهم لقمة العيش الكريمة ويقيهم شر الحاجة ومذلة السؤال، فشهر رمضان المبارك موسم وفرصة لي في كسب المال، ونقل المعتمرين والزائرين من جدة إلى الحرم المكي في مكةالمكرمة». بيد أن رحلة نقل المعتمرين لا تخلو من «التنغيص»، فعناء الحر وقيظ الصيف نهار رمضان، يصاحبه زحام شديد في الطرقات، إضافة إلى محاولات العمالة الأجنبية في إخراج الشهراني من المهنة، مشيراً إلى أنهم لا يألون جهداً في جذب الركاب بأقل الأسعار حتى لو بالخسارة، وذلك لمضايقة الشبان السعوديين، واحتكار المهنة. ويضيف: «أصارع المعاناة والتعب بالخروج من المنزل منذ الساعة الواحدة ظهراً لأعود إليه مع ساعات الفجر قبل السحور، ففي شهر رمضان يتضاعف سعر النقل عن أيام السنة الأخرى من 25 ريالاً إلى 50 ريالاً للفرد الواحد، ليكون الناتج النهائي من التوصيل مبلغ 300 ريال في اليوم الواحد، ولا تخلو الرحلة من قسائم المرور أحياناً». وليس ببعيد عنه يقف صلاح الحارثي، في المكان نفسه مجاهداً في ظروف ليست بأفضل من ظروف خالد، يقول «لا سامح الله الديون وغلاء المعيشة، فهما من جعلاني أعمل بالنقل من جدة إلى مكةالمكرمة أو إلى المدينةالمنورة، فراتبي الشهري سبعة آلاف ريال لا يغطي حاجات عائلتي وإيجار المنزل الذي أسكنه». صلاح الحارثي البالغ من العمر 35 عاماً، متزوج ولديه خمسة أبناء، ثلاث بنات وولدان، يحاول جاهداً في طريقٍ تملؤه الصعاب توفير حياة كريمة لأهله، وستر حالهم، والصمود أمام ارتفاع الأسعار وشبح الانقراض من «الطبقة المتوسطة». ويشير الحارثي إلى أن بعض الركاب يفضل الذهاب مع المركبات الصغيرة دون الحافلات الكبيرة، إذ إنها أسرع وصولاً إلى مكة وأكثر راحة، يقول: «إن الذهاب في المركبات الصغيرة لكثير من الناس أكثر راحة إلى مكةالمكرمة، حتى وإن زاد سعرها، إذ إنها توفر الوقت والعناء، برغم أن الحافلات الكبيرة أقل كلفة وسعرها للفرد الواحد 25 ريالاً، إلا أنها متعبة وتصل متأخرة».