الأحد 10/1/2010: بحر لغيرنا البحر يضخ أمواجه عالياً: هنا الحياة لا يعرف سرّها أحد. البحر المتهم بالزرقة. بحر أبيض أو أخضر أو رمادي يقارب السواد. البحر في سكونه ساحة بلا نهاية. نقف تحت الضوء ولا نلمح مدى المياه المدغومة بالكون. تحت الضوء صوت الأرغن يعزفه أعمى. تحت الضوء جسد الراقصة يلمع والبحر يخفي عينيه تحت المياه. لنا البحر ولغيرنا أيضاً. كل شاطئ وله شاطئ مقابل، فلا وطنية للبحر ولا هوية. بحر يشبه السفن الضائعة. تفقد السفينة وطنها حين تبحر ولا يسعف العلم المرفرف. بحر السفن والغرقى ليس لنا وحدنا، بحر الوداع وتلويحة الأيدي والمنديل الأبيض الذي كان. بحر المغامرات غير المحسوبة وغصة الأمهات. تتأكد وحدته وقسوته بعيداً من الشواطئ، بلا أصداف ولا طفولة ولا خطوط على الرمال. كم كان يقدم الى شواطئه عدوى الغموض، وعدوى الشتات الى مدن تبدل سكانها كل مئة من السنين، تستقبل الغرباء حتى الاستئناس ثم يرحلون من جديد. لم يفقد البحر سحره في عصر الطائرات، وداعاته العاطفية في عصر الانترنت. بحر لغيرنا ويبخل علينا بنعمة الغرق. الاثنين 11/1/2010: الوحيد يكون الشهداء حين نجمع عليهم، فلا شهيد بلا إجماع. لكن إجماعنا يدخل في ذاكرة تخبو، يختبئ الشهداء في كتب لا يقرأها أحد. الشهيد يكسب شهادته بنفسه، في حماسته وفي إحساسه العميق بالواجب، أياً كان الواجب، دينياً أو وطنياً أو عائلياً. يحتفل الشهيد وحده حين الموت أعلى التجليات وأكثرها فرحاً. وحده يحتفل غير آبه باحتفالات الآخرين المتجهة الى هدف وحيد: تأجيج الحماسة لتجنيد مشاريع شهداء. كم كان على جدران بيروت من صور محاها المطر ومزقتها الريح، تبدأ الصورة حيوية تقتحم العيون ثم تبهت، يتحول الشهيد أصفر شاحباً ثم يتمزق، ويصعب جمعه من نثار الورق عند المفترقات. كان هذا الورق الممزق إنساناً. الثلثاء 12/1/2010: من الباب العريض لن تستطيع تركيا أن تحضر في العالم العربي من دون السلطان سليم الأول أو السلطان عبدالحميد. إنها تأتي الى عرب يهربون من حاضرهم المعقد الى تاريخ أكثر تعقيداً. ولن تستطيع إيران الوصول من دون نكبة البرامكة وحرب الأمين والمأمون والتراكم غير المحدود لأدبيات الشعوبية ومناهضيها. تركيا وإيران، وربما تركيا وحدها، أذكى من أن تحترقا بلهب التاريخ العربي الذي لا يخبو. ثمة مسافة لا بد منها للسلامة، خصوصاً أن دولة إسرائيل «اليهودية» حاضرة في قلب العرب، لهباً فوق لهب. مع ذلك، تركيا وإيران تدخلان من الباب العريض. ونحن نطوي، الى لا مكان، أدبيات النهضة العربية، من إبراهيم اليازجي الى جمال عبدالناصر. الأربعاء 13/1/2010: هايتي أول جمهورية زنجية في العالم استقلّت عن فرنسا سنة 1804. هايتي التي يتكلم سكانها الفرنسية واللغة المحلية ومزيج الكريول. بلد مبتلى بالعنف على ثلث جزيرة في الكاريبي. بلد المرتفعات العالية التي اكتسب منها اسمه. بلدي جميل جداً وفقير جداً، هكذا قالت لي كريستينا في أحد مقاهي سان دوني في مونتريال، ولم أستمع الى شرح ملابسات المشاكل الداخلية في بلدها، كنت ممتلئاً بأخبار الميليشيات في بلدي التي تحبطنا، نحن اللبنانيين، في الوطن والمهجر. أكان ينقص هايتي زلزال لتكتمل المأساة؟ تهديم من البشر وتهديم من الطبيعة. وكم بدا معبراً موت وجرح عدد من مبعوثي الأممالمتحدة لحفظ السلام الهش في ذلك البلد. قالت كريستينا إنها تعيش مع ألبير زوجة ثالثة مضافة الى زوجتيه، فالفتى الآتي من هايتي يحب النساء، خصوصاً المهاجرات من بلده. لا يأبه لقانون كيبيك ولا لأعراف الكنيسة، يعيش مع كريستينا والمرأتين الأخريين في بيت صغير يشبه ظلال شجرة في غابة، يمارسون بدائيتهم في بلاد متحضرة، ولكن، داخل جدران أربعة، حتى إذا خرجوا في النهار بدوا حضاريين، أربعتهم يعملون ويدفعون الضرائب ويحصدون ما يكفيهم لليل مستعار من هايتي، حتى إنهم يستحضرون المناخ المداري الى بيتهم الضيق في منطقة كوت دي ناج، قريباً من الجامعات والمقاهي وأغاني 127 جالية. كريستينا وألبير والمرأتان الأخريان، أتخيلهم يجمعون التبرعات لضحايا زلزال هايتي ويصلون لرحمتهم في الليل نازعين بدائية طالت وآن لهم أن يتخلصوا منها. الخميس 14/1/2010: أوامر اليوم مجموعات الشعر الأميركي التي نقلها الى العربية سامر أبو هواش لا تزال علامة على نهضة الترجمة في العام المنقضي (2009). ونشرت المجموعات دار كلمة الإماراتية بالتعاون مع منشورات الجمل (لبنان – العراق – ألمانيا). من المجموعات «صيف يغفو في جلده» لثيودور رتكي (1908 –1963)، شاعر حظي بجوائز أهمها بوليتزر عام 1954، لكن شهرة شعره تضاعفت بعد وفاته ونشر مجموعة كاملة لأعماله. من «صيف يغفو في جلده» هذه القصيدة في عنوان «أوامر اليوم»: «أيتها اليدان الصلبتان المعروقتان أحسنا أداء الدور لأن اللامبالاة قد تخمد فتيل ما يشتعل من رغبة. العاشق المتنهّد أسير الجسد، أنامله الخرقاء تجرح غلالة الروح الرقيقة. أيتها القدمان احملا العظام الرفيعة فوق مرقى البراءة، اجتنبا نهر الكراهية الهائج، السهل الخطر المغمور بالطوفان حيث الأفعى والنسر يحومان متسللين كطائر الكركي فلتجتازا المستنقعات الى العشب. أيتها العينان تحدقان بسواهما ممن نظراتهما الشبحية تكشف أمّاً خرقاء. تجنّبا تلك الحواجز واكتشفا العناية بين الأنفاس المسمومة. اقلبا الدم القديم رأساً على عقب».