أجواء ساحرة وعادات ثابتة تتحدى التغيرات الاجتماعية والسياسية والوضع الأمني السائد. هكذا تبدو ليالي رمضان في بغداد، على رغم ارتفاع درجات الحرارة وانقطاع التيار الكهربائي لساعات. التقاليد الرمضانية باتت أكثر ترسيخاً هذه السنة، والعائلات البغدادية تستمتع بوقتها أكثر من ذي قبل، فهي المرة الأولى التي يعيش فيها العراقيون رمضان بحرية من الفطور إلى السحور من دون التقيُّد بساعات محددة مثلما كان يحدث في سنوات ماضية، إذ كان الصائمون يغادرون إلى منازلهم قبل منتصف الليل بسبب حظر التجوال الليلي الذي كان مفروضاً لفترات طويلة مضت. يقول اسماعيل جاسم الرجل الستيني الذي يقطن حي الكرادة ويبيع المواد الغذائية إن «منطقة الكرادة باتت تسهر حتى الصباح وهي المرة الأولى التي أرى فيها الحياة في رمضان مختلفة عن ذي قبل منذ سنوات». ويضيف «معظم الناس والشباب الصائمين خصوصاً لا يغادرون إلى منازلهم قبل الخامسة صباحاً فهم يتسحرون في المطاعم والنوادي وكثير منهم يقيمون دعوات فطور شبابية داخلها يجمعون فيها أصدقاءهم من كلا الجنسين». ويقضي البغداديون ليلهم الرمضاني في المطاعم والمولات والأسواق والأماكن العامة دون التفكير بالمسافة التي يستغرقها الطريق للوصول إلى المنزل، قبل أن تستوقفهم أول نقطة تفتيش يمرون بها وتسألهم عن سبب الخروج أو توجه أسلحتها صوبهم مثلما كان يحدث في السنوات الماضية. باعة «الزلابية» والحلويات الرمضانية الأخرى باتوا أكثر حرية أيضاً في بيع بضاعتهم فهم لا يكتفون ببيعها في المحال الصغيرة والكبيرة بل إن عرباتهم الصغيرة باتت تجوب شوارع بغداد بحرية أكبر من ذي قبل. أحمد حاتم (21 سنة) لديه عربة صغيرة يبيع فيها بعض الحلويات الرمضانية ويتنقّل فيها بين شارع السعدون ومنطقة أبو نواس والكرادة. يقضي الشاب العشريني نهاره في رمضان نائماً في المنزل ولا يخرج إلا في الحالات القصوى هرباً من حر الصيف الذي يشعره بالعطش ثم يغادر منزله بعد تناوله الفطور ويقوم ببيع بضاعته من الحلويات إلى الناس في المنازل والمقاهي التي يمر عليها. يقول أحمد: «في العام الماضي كنت أضطر للعمل من الساعة الثالثة حتى السابعة مساء وأحياناً أتناول فطوري في السوق لأبقى مدة أطول أما اليوم فغيّرت أوقات عملي وأصبحت أعمل بين الفطور والسحور».مطاعم بغداد التي أغلقت غالبيتها أثناء النهار، باتت تفتح أبوابها إلى وقت متأخر وتقيم ولائم السحور للصائمين وهي المرة الأولى التي تظهر فيها مطاعم خاصة بالسحور الرمضاني. الأوضاع الأمنية وحصول بعض التفجيرات في أيام رمضان دفعت بعض المطاعم إلى وضع مراقب خاص على موقف السيارات التابعة لها أو القريبة منها خوفاً من وقوع تفجيرات مماثلة لما حدث في شارع فلسطين سابقاً، حين انفجرت سيارة مفخخة في موقف للسيارات. ومهمة هؤلاء المراقبين رصد الناس الذين يضعون سياراتهم في المواقف والتعرف على هوياتهم قبل مغادرة المكان. هواة لعبة «المحيبس» الشعبية باتوا يتمتعون بمدة أطول لممارسة لعبتهم المفضلة، فبدلاً من المغادرة إلى بيوتهم قبل منتصف الليل باتوا يستمرون في اللعب حتى وقت السحور، ويتناولون في كثير من الأحيان سحورهم في المكان ذاته قبل المغادرة، إذ يستضيفون بعضهم على وجبة السحور فيقوم كل شخص بإعداد السحور للاعبين في منزله على أن يقوم مضيفهم التالي بالأمر ذاته في اليوم اللاحق. رمضان 2015 في بغداد يختلف كثيراً عن السنوات السابقة رغم كل شيء والصائمون وجدوا الكثير من المنافذ لقضاء الوقت في الليل على النقيض من السنوات السابقة حيث كانوا مضطرين للتعايش مع أجواء المنزل اليومية.