ثمة شكوى مزمنة تتكرر في أوساط أهالي الطلبة والهيئات التعليمية في المدارس الابتدائية والمتوسطة، وتتمحور حول العلاقة الجدلية بين الأهل والمدرسة نتيجة تدّني المستوى التعليمي والرسوب المدرسي والتسرّب المبكر والانحرافات الخلقية والمسلكية. ويتصدّى خبراء لهذه «الظاهرة المقلقة» التي تنال من رصيد أنظمة تربوية في بلدان متقدّمة مثل كندا. وهناك من يحمّل الأهل مسؤولية هذا التردّي في التعليم والسلوك، في حين يوجّه هؤلاء أصابع الاتهام إلى المؤسسات التربوية وهيئاتها التعليمية. وفي سعي لفك هذه «المعضلة» ثمة من توصل إلى حلول وسط توفّق بين أطراف «العقد التربوي» الآباء والأبناء والمدرسة. في الماضي، كان أهالٍ يدرّسون أبناءهم في المنزل استناداً إلى أيديولوجية دينية أو إلى قيم اجتماعية وعائلية محافظة. أما اليوم فقد أصبح الآباء والأمهات أكثر وعياً وعلماً وثقافة وبراغماتية لإدارة مشروع تربوي على أسس عصرية متطورة. ويتمثّل هذا المنحى في ما يسمّى «المدرسة المنزلية» أو «المدرسة العائلية» التي بدأت تنتشر، إلى جانب المدارس النظامية، في بلدان أوروبية وأميركية كثيرة. والمدرسة المنزلية نموذج شعبي لتعليم الأبناء ومعترف به رسمياً كنموذج لنظام تعليمي جديد له دوافعه ومبرراته ونظمه وآلياته، فضلاً عن الاعتراف به حكومياً. وتتماثل مناهجه التعليمية مع مقررات المدارس الرسمية من رياضيات ولغات وفنون ونشاطات لامنهجية وغيرها. باختصار يريد الأهل أن «تأتي المدرسة إلى بيوت أبنائهم بدل ذهابهم إليها» على حد تعبير إحدى الأمهات. وأشارت دراسة للهيئة الوطنية الأميركية للتعليم المنزلي إلى أن «حوالى مليوني طفل ينعمون بمدرسة الأهل استناداً إلى دوافع عدة منها: تفوّق التعليم فيها بنسبة 50.8 في المئة، اعتبارات دينية بنسبة 33 في المئة، تردّي البيئة المدرسية بنسبة 29.8 في المئة، الاعتراض على مناهج التعليم بنسبة 14.4 في المئة، انحدار مستوى التعليم الرسمي بنسبة 11.5 في المئة. وفي بلجيكا، تفرض الحكومة على الأهل ضوابط عدة (كفاءة مهنية ومستوى علمي متقدّم). أما في ألمانيا، فالتعليم المنزلي ممنوع ويغرّم المخالفون مالياً أو يتعرّضون للسجن. أما في مقاطعة كيبيك الكندية، فتشير «الجمعية التربوية» المسؤولة عن مدارس العائلة، إلى أن عدد الذين يتابعون دراستهم على أيدي أمهاتهم بلغ حوالى 5 آلاف تلميذ في عام 2013. وهذا العدد مرشح للارتفاع إلى حوالى 7 آلاف في هذا العام. وعن شرعية هذه المدارس ومعادلة شهاداتها وتقويم برامجها التعليمية، تؤكّد الجمعية أن المادة 15 من قانون التربية العامة في كيبيك، تنص على أن «الطفل الذي يتلقى تعليماً في المنزل ويعيش تجربة تربوية ويخضع لتقويم علمي أمام لجنة مدرسية، يعامل تماماً كالتلميذ النظامي من ناحية المستوى الأكاديمي وحقه في الحصول على شهادة رسمية». كما تنص شرعة حقوق الإنسان الكندية في المادة 26، على «حق الأهل في اختيار نوع التربية ونوع المدرسة اللذين يتوافقان مع قناعاتهم الاجتماعية ومعتقداتهم الدينية»، علماً أن نسبة الأمهات الكفيات للتعليم لا تتجاوز 43,4 في المئة وفقاً لإحصاء المجلس التربوي في كيبيك الصادر في عام 2013. وفي هذا السياق، توضح جوزيت غريغوار المسؤولة عن إحدى مدارس الأهل في كيبيك، أن «الغاية من إنشائها فرض التكامل بين المدرسة والأهل»، بمعنى أن يصبح أولياء الطلبة «مربين» يتقاسمون عبء الرسالة التعليمية مع «زملائهم» المدرّسين. وأظهرت دراسة صادرة حديثاً عن معهد «معهد فريزر» في مقاطعة تورونتو الأنغلوفونية، أن عدد تلامذة التعليم المنزلي يتزايد سنة بعد أخرى، واعتمدها أكثر من 22662 طفلاً كندي عام 2013، ما يمثّل زيادة مقدارها 29 في المئة على الأعوام الخمسة الماضية.