توفي أمس اللواء المتقاعد محمد ناصيف خير بيك (أبو وائل)، المسؤول الأمني السوري الذي يلقب بأنه «عراب» التحالف مع «الثورة الإسلامية» في ايران و«بوابة» الميلشيا والأحزاب الشيعية في العراقولبنان الى دمشق، في وقت تدخل العلاقة بين طهرانودمشق في منعطف تنتقل فيه من «التحالف الإستراتيجي»... الى اعتماد النظام السوري في شكل غير مسبوق على الأوكسجين العسكري والاقتصادي والبشري القادم من ايران. ونقلت «وكالة الأنباء السورية الرسمية» (سانا) امس عن رئاسة الجمهورية أنها «تنعى الرفيق اللواء المتقاعد محمد ناصيف خيربيك معاون نائب رئيس الجمهورية الذي انتقل الى جوار ربه صباح اليوم (امس) الأحد اثر معاناة مع مرض عضال»، بعد خضوعه للعلاج في مستشفيات في لبنان وسورية. و»معاون نائب الرئيس للشؤون الأمنية»، كان آخر المناصب التي تسلمها ناصيف خيربيك منذ بروز دوره بعد «الحركة التصحيحية» التي تسلم اثرها الرئيس حافظ الأسد الحكم في تشرين الثاني (نوفمبر) العام 1970. لكن دوره السياسي - الأمني تجاوز الى حد كبير المناصب التي كان يتقلدها نتيجة قربه من الأسد الأب والابن وكونه «عراب» العلاقة مع ايران والخميني منذ العام 1979 وإحدى «أقنية» التواصل الخلفية مع الإدارات الأميركية المتعاقبة. ولد خير بيك في العام 1936 في قرية اللقبة في ريف حماة وسط البلاد، من اسرة علوية ذات نفوذ طبقي وعشائري اوسع من حجم محيطه وأكثر من مسؤولين آخرين كانوا ينحدرون من خلفيات ريفية ووهن في الثقل العشائري والطبقي. فكان مع اللواء عصام الذي عمل مديراً لمكتب وزير الدفاع العماد مصطفى طلاس واللواء فؤاد مدير فرع الأمن الداخلي، احد ثلاثة ضباط من آل خيربيك الذين لعبوا ادواراً بارزاً في البنية الأمنية والعسكرية للنظام. ووفق موقع «ويكيبيديا»، تسلم منصب الملحق العسكري في السفارة السورية في ألمانياالشرقية بداية السبعينات، قبل ان يعود ويتسلم قسماً فنياً في الاستخبارات ويعينه الرئيس الأسد رئيس فرع الأمن الداخلي في دمشق التابع لإدارة المخابرات العامة. وقال مسؤول سوري انه في السبعينات كان اسم «المقدم ابو وائل يتداول في اورقة دمشق، اذ انه كلف مهمة نسج علاقات مع النقابات والطبقة الدمشقية السنية ورجال الأعمال البارزين» في العاصمة، فيما يتهمه معارضون بأنه كان احد الذين لعبوا دوراً عملياتياً في الصراع ضد «الإخوان المسلمين» في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات التي تضمنت مجزرة حماة في العام 1982 وإنه زج بالكثيرين في المعتقلات والتعذيب في فرع الأمن الداخلي. غير ان الملف الرئيسي الذي كان يعمل عليه، ينطلق كونه «عراب» العلاقة مع ايران وصلة الوصل مع الأحزاب والميليشيا الشيعية في لبنانوالعراق، باعتباره كان «القناة» بينها وبين القيادة السورية، فكان أحد المنفذين البارعين لسياسة التوازن بين الأحزاب اللبنانية بين «حركة امل» بزعامة نبيه بري و «حزب الله» الى حين خروج القوات العسكرية والأمنية من لبنان في العام 2005. وانسحب هذا الأمر على الفصائل الشيعية العراقية مثل «حزب الدعوة» و «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق» قبل غزو العراق العام 2005. ونقل موقع «زمان الوصل» امس عن كتاب «الأسد: الصراع على الشرق الأوسط» للراحل باتريك سيل قوله ان ناصيف خير بيك كان «متكتماً أكثر من الجميع إلى درجة أنه كان يعيش في مكتبه، وكان واحداً من القليلين جداً من الناس المسموح بالمبادرة إلى التحدث مع الأسد هاتفياً في أي وقت. إضافة إلى ترؤسه لما كان في واقع الأمر بوليساً سياسياً، كان واحداً من أهم مستشاري الأسد في شؤون الشيعة سواء في لبنان أو في إيران». وكان مقرباً من موسى الصدر و»غالباً ما يسافر من دمشق إلى بون وسويسرا اللتين كانتا قطبي الشبكات الإيرانية في الغرب». ووفق العارفين بالأروقة السورية، كان بين اكثر المقرين الى باسل الأسد خلال فترة تهيئته لخلافة والده قبل وفاته بحادث سيارة في 1994، ذلك استناداً الى قدراته الديبلوماسية والأمنية والمعلومات الأمنية الواسعة التي كانت لديه. وفي العام 1998، عٌين العميد بهجت سليمان رئيساً لفرع الأمن الداخلي خلفاً لناصيف خيربيك الذي عين بعد ذلك في ادارة المخابرات العامة لفترة حافظ فيها على نفوذه، بل زاد في بعض المراحل والملفات. فكان المسؤول الوحيد من «الحرس القديم» الذي عمل مع الرئيس حافظ الأسد وبشار الأسد، على عكس آخرين تركوا مناصبهم مثل مدير شعبة الاستخبارات العسكرية علي دوبا ورئيس الأركان في الجيش العماد حكمت الشهابي او خرجوا من البلاد مثل نائب الرئيس الأسبق عبدالحليم خدام او طلاس. وكتب اللواء سليمان على صفحته في «فايسبوك» امس ان خير بيك كان «نبراساً في خدمةِ شعبه ووطنِهِ وقائدِه الأسد الأوّل والأسد الثاني». وخلال فترة العزلة التي فرضتها الدول الغربية على النظام بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، كان ناصيف خير بيك احد اقنية التواصل مع واشنطن. ولم تتوقف زياراته الى الولاياتالمتحدة التي كان يقوم بها لإجراء فحوصات طبية تتعلق بمرضه في القلب برفقة ابنه وائل الذي ناله بعد زواج متأخر. وبعد تعيين فاروق الشرع نائباً للرئيس في العام 2006، عينه الأسد معاوناً لنائب الرئيس للشؤون الأمنية الى جانب الراحل حسن توركماني للشؤون السياسية. لكن ناصيف خيربيك اتخذ من منزل خدام في حي الروضة مكتباً له يستقبل فيه شخصيات عراقية ولبنانيةوإيرانية لاستكمال دوره في التواصل مع «حلفاء النظام» في هذه الدول ومرافقة وزير الخارجية وليد المعلم في زياراته الى بغدادوطهران. واللافت، انه حافظ على منصبه رغم ان الأسد لم يجدد للشرع نائباً للرئيس بعد «الانتخابات» التي جرت في منتصف العام الماضي. وفي ايار (مايو) 2011، كان ناصيف خير بيك احدى الشخصيات التي فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليها، حيث فرض عليه «حظر سفر من الاتحاد الأوروبي لاتهامه بالمشاركة في قمع التظاهرات المطالبة بإسقاط بشار الأسد» بعدما فرضت الولاياتالمتحدة عليه في العام 2007 عقوبات من الولاياتالمتحدة بسبب دوره في «الانتقاص من الديموقراطية اللبنانية». وكان بين الذين ساهموا في صوغ تحالفات انتخابية ادت الى فوز كتلة «القائمة العراقية» برئاسة اياد علاوي في انتخابات 2010، حيث كان اكثر المتحمسين لدعم تشكيل علاوي حكومة في العراق الذي لم يحصل بسبب ضغوطات ايرانية على دمشق ادت الى قبول تشكيل الحكومة من نوري المالكي، الأمر الذي احدث شرخاً في علاقته مع طهران حاول الإبقاء عليها مقابل نقل مسؤولين ايرانيين «شكاوى وامتعاض منه» الى الأسد. وكان بين مسؤولين سوريين زاورا ايران قبل اشهر للحصول على مزيد من الدعم العسكري والاقتصادي بعد تعرض القوات النظامية لنكسات عسكرية وصعوبات مالية. احد العارفين باللواء ناصيف خيربيك، قال «انه كان بوجهين: الأول، ديبلوماسي ومحنك وداهية سياسية وقلب بارد وبراغماتي، اضافة الى شعوره العروبي. الثاني، بعثي يستخدم لغة خشبية وإنشائية وأدوات قمعية أمنية سلطوية من دون رحمة».