طوال نصف قرن، زينت صفحات مجلة «نيويورك ريفيو أوف بوكس» الأدبية بصور كاريكاتور فنانين ومثقفين وسياسيين رسمها ديفيد ليفين. وعلى خلاف رسام الكاريكاتور أل هيرشفيلد، لم تكن رسومه مرآة مزاجه وتقلباته. ولم يبدِ اهتماماً يذكر بتناول عبث الحياة اليومية المعاصرة شأن غيره من الرسامين. وبصمته الفنية قوية. فهو، على ما رأى كثر، وارث كبار فناني القرن التاسع عشر من أمثال هونوريه دومييه وتوماس ناست. وجمعت أعماله الظرافة والهزل الى الجد، والسخرية الى الإلمام العميق بالموضوع. وصبغت مشاغله رسومه السياسية، وطريقة تصويره السياسيين. وأظهرت صورة فنان ملتزم شؤون العالم الذي يعيش فيه. وذاع صيت عدد من صوره الكاريكاتورية، ومنها صورة الرئيس (الأميركي) ليندون بي. جونسون وهو ينزع قميصه، ويكشف جرح عملية استئصال المرارة. وخطّ ليفين الجرح هذا على شاكلة حدود فيتنام. ورسم الكاريكاتوريست الكبير هنري كيسنجر وهو يضاجع جسد سيدة رأسها على شكل الكرة الأرضية على كنبة. وشرح ليفين الصورة هذه، وقال إنها تصور ما فعله كيسنجر بالعالم. وانتخب الرئيس ريتشارد أم. نيكسون موضوعاً مفضلاً، فرسمه 66 صورة. ورسمه بهيئة عرّاب وجَنين وهيئة الكابتن كويغ، وهو من بنات الرواية الخيالية. وحاكى تصوير ليفين ياسر عرفات وأرييل شارون حكاية ديفيد وغوليات. ورسم ألن غرينسبن، رئيس الاحتياط الاتحادي، الأميركي (المركزي)، يحمل ميزان العدل بشفتيه، فيوازن بين الناس والدولار. وفي 2008، ذهب ديفيد ليفين، في مقابلة نشرت في مناسبة تنظيم مكتبة نيويورك العامة معرض رسوم له عن الرؤساء الأميركيين، الى أن الهجاء السياسي أنقذ أميركا من الانزلاق الى الجحيم. وتوسل ليفين في صوره حبراً غامق اللون، وأثقل وجوه «موضوعاته» بظلال كثيفة يطغى عليها أنف ضخم، أو رأس محدد الشكل بطريقة غريبة، أو قصات شعر اضطراب شكلها مبالغ فيه، أو شاربان كثان، أو تبرج يبرز عيوب الوجه. فهو يتوسل غرابة قيافة الشخصيات وقسماتها الى تقويض اعتدادها بنفسها. وليفين هو أبرز رسام كاريكاتور سياسي في النصف الثاني من القرن العشرين. فهو بعث فن الكاريكاتور من خبوه. وولد ليفين في 20 كانون الأول (ديسمبر) 1926. ووالده كان صاحب متجر ملابس صغير، ووالدته ممرضة ناشطة سياسياً وتميل الى اليسار. وديفيد ليفين، شأن والدته، يساري الهوى. وأقامت أسرته على بعد أمتار قليلة من ملعب ايبتس فيلد الكبير. وهناك تسنى للولد مصافحة الرئيس فرانكلين دي. روزفلت وزوجته اليانور. وبعد أعوام، رسم السيدة روزفلت على هيئة بجعة. فهو رأى أنها تجمع «الجمال الى البيتية الحميمة». وفي يفاعته، رسم ليفين صور الحيوانات المعروضة في واجهات متحف بروكلين. وخدم في الجيش بعد الحرب العالمية الثانية، وحاز شهادة جامعية في التربية من جامعة فيلادلفيا، وشهادة في الفنون من جامعة تامبل تايلر. ودرس أصول الرسم في معهد برات في بروكلين، وتتلمذ على الرسام التجريدي التعبيري، هانز هوفمن. وجلي ان الرسم هو حب ليفين الأول. فهو أسس مع أرون شيكلير صالون «بينتينغ غروب» الفني حيث كان يلتقي محبو الفن ومحترفوه. ورسم ليفين في لوحاته المائية بائعي الملابس وصانعيها في تحية الى العمال في متجر والده الذين حسبوا أن حيواتهم لا تمت الى الجمال وعالمه بصلة. وعلى خلاف رسومه الكاريكاتورية، رسم ليفين في لوحاته وجوه أشخاص عاديين ودودين، وهندسة الشواطئ الفسيحة، وأشخاصاً على الشاطئ. ويحسب من يتابع رسومه الكاريكاتورية وهزله أنه يعرف «توقيع» ليفين وعالم فنه، ولكنه يفاجأ، حين يشاهد لوحاته المائية والزيتية بدفء ألوانها. * صحافي ومعلق، عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 30/12/2009، إعداد م. ن.