تأتي قصة الحوار بين الأديان، بين أبرز العناوين الصارخة، للحالة الدينية في العام الماضي، فعلى رغم مما شهدته مبادرة الحوار بين أتباع الأديان التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من ترحيب دولي، إلا أنها قبل أن تطور إلى عالمية كانت في الأساس محلية، تمثلت - كما سلف - في حوار وطني جمع بين ألد الفرقاء المحليين بعد عقود من التنافر والمشاحنات الفكرية، إذ لفتت «أيام الإرهاب السود» أنظار السعوديين إلى أن الجميع مستهدف، وأن إشاعة «فضيلة التسامح» تأتي الخيار الأول لمواجهة غمامة التعصب. وفي وقت كان السعوديون يتحاورون في قضايا محلية مثل «الفقر والبطالة والتعليم والمرأة» بعد أن رفع الملك رايتها، اتجه إلى العالم الإسلامي الذي يفاخر بأنه الامتداد الأعظم له، فدعا المفكرين المسلمين إلى درس آليات جديدة للنهوض بأمتهم، أعقبتها قمة مكة الاستثنائية بين الدول الإسلامية، وهي التي حددت خطة عشرية لإصلاح الواقع الإسلامي. لكن الملك الذي أخذ نشاطه على هذا الصعيد يتمدد إقليمياً، قفز بدعوته الحوارية إلى خطوة أبعد، عندما قام بأول زيارة لملك سعودي لبابا الفاتيكان ضمن جولته الأوروبية الشتاء الماضي. الزيارة الفاتيكانية وإن كانت مبادرة الملك للحوار أطلقت قبلها، إلا أنها أعطت للمبادرة بعداً محلياً وآخر دولياً، تردد بفضلها صدى المملكة الإيجابي في أنحاء العالم. واعتبرت حينذاك رسالة لمتشددي العالم المناصرين للصدام أياً ما كانوا. وهي الزيارة التي لم يطل العهد بينها وبين ملتقى علماء المسلمين في مكةالمكرمة، الذين وضعوا خطتهم للحوار مع الآخر، وضوابط ذلك، وأصدروا «إعلان مكة» الذي صنف وثيقة محددة لإطار الحوار بين أتباع الأديان حاضراً ومستقبلاً. وكان الإعلان المكي دعا فيه أتباع الأديان أجمع إلى «مواجهة مظاهر الظلم والطغيان والاستعلاء، والتعاضد في إنهاء الحروب والصراعات والمشكلات الدولية، والعمل سوياً على إشاعة ثقافة التسامح والحوار ودعم مؤسساته وتطوير آفاقه».وإذا كانت مكة قبلة المسلمين، والفاتيكان عاصمة المسيحيين الروحية، فإن إسبانيا بتاريخها الإسلامي والأوروبي تعتبر من جانب معظم الباحثين العرب والغربيين عنواناً حياً للتعايش المنشود، ولذلك احتضنت الترجمة الأولى لمبادرة الملك السعودي التي ناصرها علماء المسلمين في مكة، فشاهد العالم بأسره «تصافح» ديانات وثقافات لم يعلم معظم الناس أنها على الكوكب. ناهيك عن الديانات السماوية الكبرى. ومن إسبانيا التي أكد فيها الملك عبدالله ثقته بأن «الإنسان قد يكون سبباً في تدمير هذا الكوكب بكل ما فيه، مثلما هو قادر أيضاً على جعله واحة سلام واطمئنان يتعايش فيه أتباع الأديان والمذاهب والفلسفات، ويتعاون فيه الناس مع بعضهم باحترام» تطلع أتباع الديانات إلى تفعيل المبادرة الحوارية، بجعلها تحت غطاء أممي، يبثها بين أمم الأرض قاطبة. وبين تلك الدعوة وانعقاد قمة الحوار في نيويورك تشرين الثاني (نوفمبر) قبل الماضي، ظل السعوديون يقطفون ثمار الحوار المحلي وإن كان جزئياً، فيما يتطلعون إلى قطف الآخر العالمي، بعد قرابة عقد عانى فيه إسلامهم ووطنهم من تشويه الضالين.