اقترب شهر رمضان، ومعه تظهر الطقوس الخاصة في المجتمع السعودي، والتي تفرضها الأحكام الشرعية من صوم وقيام ليل وسلوكيات حسنة، مدة شهر يفرض على المجتمع الالتزام بهذا السلوك مما يخلق أنماطاً جديدة ومختلفة عما هو سائد بقية العام. ويشير نائب رئيس هيئة التوعية والتأهيل الاجتماعي «واعي» الدكتور حميد الشايجي، إلى أن التغيير في رمضان طبيعي لتغير أوقات الأكل ونوعيته ونومه، وبالتالي ينساق الإنسان لتغيير طبائعه الأخرى التي يعيشها في حياته اليومية العادية مثل السهر والزيارات العائلية، وهذا شيء طبيعي ومحمود. ولكن تكون بعض هذه العادات سلبية إذا كانت تفقد الشهر طبيعته الروحانية كالنوم من الفجر إلى المغرب، وهذا النمط ليسا سليماً، أو الإفراط في الأكل، وهذا له انعكاس سلبي على الصحة، خصوصاً الإكثار من المقالي، إضافة إلى عادة الشراء المرتبطة برمضان سواء في أول الشهر أو آخره. واستغرب الشايجي من طابع المجتمع الاستهلاكي الذي عزاه بحسب تقديره إلى عوامل عدة، من ضمنها إغراء التجار وتنزيلهم لبضائع جديدة في رمضان فقط، وضغط ربات المنازل لشراء ما لا يلزم. وزاد: «لو أجريت دراسة عن ماذا يستهلك في رمضان، لخرجنا بنتيجة أن كثير من المشتريات في رمضان مصيرها سلة المهملات»، مؤكداً أنه لو كان المستهلك واعياً واستطاع أن يتغير لتغير تباعاً التاجر معه، وهذا وضح عندما حلت الأزمة المالية على بعض الأسر. وأشار إلى أن القنوات الفضائية استخدمها التجار لبث الروح الاستهلاكية، وخلق أنماط استهلاكية جديدة وتنمية عادات معينة لما يراه المشاهد، ويظهر ذلك جلياً بعمل مقارنة بسيط للمجتمع الآن وقبل 20 عاماً. وأضاف أن فتور التواصل الاجتماعي المفقود عند الشباب بحكم عالمهم الافتراضي، ليصبح مقتصراً على كبار السن فقط. وأكد أن الخمول سمة في مجتمعنا فقط، وذلك يعود لنمط حياة السعوديين وخصوصاً العاملين والطلاب، بينما المجتمعات الإسلامية الأخرى «رمضان» عندها كغيره من الشهور. ونوّه الشايجي بأن شهر رمضان يعتبر دورة مكثفة يستطيع المرء أن يكتسب خلالها عادات إيجابية عدة، وقال: «هي مجموعة دورات في المهارات الإنتاجية، والصبر والصمت وتجديد روح العمل وتعلم الإيمانيات عموماً، والحصول على الشهادة في نهاية الدورة». ولفت إلى أن مرور شهر رمضان بشكل سريع نظراً لاستمتاع الفرد بالشهر والمهارات التي كان يفتقدها طيلة العام ثم يمارسها في رمضان، فهي فرصة لشحن «بطارية» الإنسان وخلق أنماط سلوكية وإيمانية جديدة لبناء شخصية سوية وسليمة في علاقتنا مع الله ومع أنفسنا ومع من حولنا. بينما كان رأي الدكتور في جامعة الإمام ومدير مركز التنمية الأسرية بالإحساء خالد الحليبي أكثر تشاؤماً عن العادات التي يكتسبها المجتمع في رمضان، على رغم أنه يرى أن رمضان شهر التغيير، وفيه يتغير نظام كثير من المخلوقات فطرياً، فالجنة تفتح والنار تغلق والشياطين تغلّ والناس يقبلون على العبادة، ولذلك أثر عظيم جداً على السلوك الاجتماعي لدى المسلمين ومن يعيش معهم. ويؤكد على أن الصيام يغير أوقات الأكل ويؤثر على اختيار وقت النوم، ويتبع ذلك مجموعة متغيرات مثل السهر حتى ما بعد الفجر، وهي عادة لا علاقة لها بالعبادة، بل ابتدعها الناس، فأثرت في أعمالهم، وإنتاجهم، بل حتى على تحقيق أهداف الصوم العليا كالتقوى والإكثار من العبادة، وصيانة اللسان، وغض البصر عما حرم الله. وأوضح أن كثيراً من أوقات السهر في رمضان تقضى في استراحات بالنسبة للرجال، مما يسبب أزمة نفسية لدى الزوجة التي تشكو بعد الزوج خلال السنة كلها، فيأتي رمضان فتقع فيما هو أسوء معه.. إذ يغيب ليلاً، وينام نهاراً! وأشار الحليبي إلى افتقاد الأبناء والبنات والدهم، وهذا يفقد الرقابة الأسرية والتوجيه التربوي، وكما هو معلوم فإجازة رمضان طويلة وممتدة، فربما جرحوا الأبناء هذا الصيام بما كان يجب أن يكون المسلم بعيداً عنه. وقال الحليبي إن العادات التي تظهر في هذا الشهر الفضيل غريبة جداً، مثل الإسراف في الطعام بدلاً من التقليل منه، و»التفحيط» لدى الشباب بدلاً من السكينة التي تناسب هذا الشهر الفضيل، والتسوق الذي يمثل ظاهرة عند النساء خصوصاً بحجة الاستعداد للعيد، ومن يراقب أوضاع الأسواق سيجدها مكتظة بالجالسين على المقاعد وليس بالمتسوقين. وأفاد اختصاصي التغذية حمود النغيمشي أن تغيير تجهيز الغذاء هو المتغير الأهم في العادات الغذائية لدى المجتمع، والكثير من العائلات لازالت تحتفظ بعاداتها الغذائية مثل «السمبوسة واللقيمات»، وهذا جيد لأن خبراء التغذية ينصحون بالكربوهيدرات بعد الصيام الطويل لتعويض الجسم، ولكن ذلك يختلف من أسرة لأخرى، بينما السحور يفضل ألا يكون فيه كربوهيدرات مثل «كبسات اللحم والدجاج» فالجسم يفقدها بسرعة، وقد يجوع الشخص بسرعة ويفضل أن تكون فيها كمية متناسبة من البروتين والدهون التي تطول فترة بقائها في الجسم. وقال النغيمشي إن المتغيرات الغذائية التي طرأت على المجتمع في العصر الحالي تعد إيجابية إلى حد ما، وبرر ذلك بالتطور الكبير الذي شمل المعرفة العلمية الدقيقة لما هو مفيد وما هو ضار، إضافة إلى سلامة الغذاء والحفاظ على الأغذية بشكل كبير يحد من تلوث الأغذية لفترات طويلة. وأكد أن رمضان هذا العام في فصل الصيف، وهناك الكثير من الحرارة، مما يستلزم على الأُسر التركيز على الكثير من السوائل خلال فترة المساء كاملة. ولفت إلى أن بعض ربات المنازل قد يقعون في أخطاء غير مقصودة نتيجة إكثار الوجبات في موائد الإفطار مما يتسبب في تركهم للمأكولات مكشوفة، خصوصاً إذا علمنا أن أغلب تجهيزات ربات المنزل تعتمد على منتجات الحليب والحلويات التي تنمو عليها الميكروبات. وتشير بعض الإحصاءات العربية إلى أن المسلمين يزيدون استهلاكهم للطعام في شهر الصوم ومبيعات الحلويات تتضاعف.