على رغم رفع وزارة العدل مسودة «الأحكام البديلة» إلى جهات عليا منذ نحو ثلاثة أعوام، وحضور الموضوع في نقاشات أعضاء مجلس الشورى السعودي أخيراً، وترقب المجتمع لصدوره للإسهام في تقليل نسب الإجرام كونها تحفظ المخطئ بعيداً عن قضبان السجون التي في غالب الأحيان تحوله إلى مجرم عتيد، بيد أنها حتى الآن تراوح مكانها. أكد اختصاصيون قانونيون أن تأخر صدور لائحة «الأحكام البديلة عن السجن» يعزى إلى عدم توصل اللجنة المعنية إلى اتفاق بشأن الجهة المشرفة على تنفيذ العقوبات بعد إصدار القضاء أحكامه، مشدّدين على ضرورة المسارعة باعتماد جهة محدّدة، سعياً إلى الحدّ من التكدّس داخل السجون على مستوى مناطق المملكة، وإعادة تأهيل المحكوم عليه والعمل على دمجه بأفراد المجتمع. وشدّد القاضي السابق المحامي والمستشار القانوني محمد الجذلاني، على ضرورة إناطة العقوبات البديلة لجهة واحدة لضبطها وتوحيد إجراءاتها، منوّهاً بأن الجهة التي سيتم تحديدها يجب أن يرتبط دورها في المهام الإشرافية التنفيذية، وتوزيع المحكومين على الجهات ذات العلاقة بتنفيذ العمل التطوّعي المطلوب، معتبراً أن وزارة العدل هي الجهة الأنسب لتلك المهام، مرجعاً ذلك لكونها تتولى قضاء التنفيذ. وقال في حديث ل«الحياة»:» أبرز أسباب تأخر إصدار لائحة العقوبات البديلة يعزى إلى عدم توافق أحكام هذه اللائحة مع الإمكانات المتاحة التي تكفل تطبيق هذه العقوبات والرقابة عليها، إلى جانب البيروقراطية المعتادة، ويمكن أن يكون هناك ملاحظات شرعية تدور حول تأصيل هذه العقوبات فقهياً، إضافة إلى إمكان وجود هاجس أمني بخشية تأثير هذه اللائحة سلباً في حال إساءة تطبيقها». فيما أوضح عضو هيئة التحقيق والادعاء العام سابقاً، المحامي والمستشار القانوني بندر المحرج، أن لائحة العقوبات البديلة تضمنت النص على عقوبات يلجأ إليها القاضي في قضايا معيّنة ووفق ضوابط محددة. وأضاف: «لكي تكون هذه العقوبات ذات أثر وتحقق المقصد والهدف منها لابد من تطبيقها أولاً، وتطبيقها يحتاج آلية محددة وواضحة، ومن ضمن هذه الآلية وجود جهة تقوم على تنفيذ هذه العقوبات ومتابعة ذلك والإشراف عليه، ومن المعلوم أن تطبيق العقوبات الجزائية (الحق العام) يكون بحسب نوع العقوبة، وفي الغالب هو إما سجن وإما جلد وإما غرامة مالية، باستثناء عقوبات إتلاف النفس وما دونها، وتلك الأنواع الثلاثة من العقوبات وخصوصاً السجن لها آثار سلبية على المحكوم عليه ومن يعولهم، لذا ارتأى المشرّع أن تكون العقوبات البديلة علاجاً جديداً لتقويم وتأديب المحكوم عليه، علماً أن تلك الأنواع من العقوبات كانت ولا تزال تُطبق بإحالة أوراق القضية بعد تأييد الحكم الابتدائي واكتسابه الصفة القطعية إلى الحاكم الإداري الذي بدوره يعيد توجيهها إلى «المختصة» بتنفيذ الحكم، والتي يمكن أن تكون إدارة السجن مثلاً». وأفاد المحرج بأن معظم العقوبات البديلة هي إلزام للمحكوم عليه بالقيام بأعمال مجتمعية وخدمية مثل تنظيف مسجد، أو حفظ جزء من القرآن الكريم، أو الخدمة في دار للمسنين وغيرها، مشيراً إلى أنها تحتاج للتأكد من تنفيذها على الوجه الوارد في منطوق الحكم، مقترحاً إسناد مهام متابعة تطبيقها للجهة التي ترتبط بماهيّة العقوبة. بدوره، أكد المحامي والمستشار القانوني محمد التمياط، أن للعقوبات البديلة أصلاً في الشريعة الإسلامية وليست أمراً جديداً، لافتاً إلى أن من شأنها تحقيق المصلحة المرجوة من العقاب بإصلاح الجاني وإعادة تأهيله، مستشهداً بتطبيقها منذ أعوام في بعض محاكم السعودية، ولكن وفقاً لاجتهادات القاضي من دون الاعتماد على إطار منظم يحدد طبيعة العقوبات ومدى تناسبها مع الجريمة. وقال التمياط: «إن تعطيل إقرار مشروع لائحة العقوبات المقترحة بسبب عدم الاتفاق على الجهة المشرفة على التنفيذ ليس مبرراً لتأخيرها، فبإمكان الجهة التشريعية في الدولة إسناد هذه المهمة للجهة التي تراها مثل تحديد إدارة في إمارات المناطق والمحافظات يكون دورها متابعة وتنفيذ الحكم بالتنسيق مع الجهة المسؤولة عن المكان المنفذ فيه الحكم، وإعداد تقارير عن المحكوم عليه ورفعها لناظر القضية للتأكد من تنفيذ العقوبة، أو إنشاء هيئة تختص بذلك، فإقرار مثل هذه اللائحة له نتائج إيجابية تعود على المحكوم عليه في تهذيب نفسه بصورة أكبر من عقوبة السجن والتي قد تؤدي إلى انتكاسه، وكذلك الحد من الآثار الاجتماعية التي تترتب على دخول الجاني السجن، كما أن تطبيق اللائحة يسهم في التخفيف من تكدس السجون وسرعة البت في القضايا». يذكر أن مشروع اللائحة تم رفعه قبل ثلاث أعوام عبر وزارة العدل، إذ يعد ضمن نتائج ملتقى (الاتجاهات الحديثة في العقوبات البديلة)، فيما وافق مجلس الشورى على توصية قدمها العضو عبدالله السعدون والعضو هدى الحليسي تُطالب وزارة العدل بسرعة إقرار مشروعها لنظام العقوبات البديلة. البلوي.. قاضٍ انتهج تطبيق الأحكام البديلة لأعوام في الوقت الذي يطبّق فيه عدد من القضاة في مختلف مناطق المملكة، بعض الأحكام البديلة وفق آلية اجتهادية منهم، يبرز اسم القاضي في المحكمة الجزائية بتبوك ياسر البلوي، الذي اعتاد على تطبيق هذا النوع من الأحكام. ويوضّح البلوي أن سعيه إلى تجنيب أسرة المحكوم عليه الآثار السلبية والمشكلات التي قد تتعرض لها نتيجة سجن عائلها، دفعه إلى انتهاج العقوبات البديلة في أحكام القضايا التي ينظرها، لافتاً إلى تنوّع الآثار السلبية التي يمكن أن تترتب على أحكام السجن من طلاق وخلع وانحراف للأبناء، إضافة إلى نظرة المجتمع لمن يُسجن. ولم يُغفل البلوي مسألة تزايد شعور السجين بالبطالة وعدم وجود العمل مما قد يولّد لديه اللجوء للجريمة لتأمين بعض حاجاته أو لرجوع لمجتمع السجن الذي ألف عليه.