أطلق الحكم الصادر على الوزير السابق ميشال سماحة، من جانب المحكمة العسكرية أمس الأول، ردود فعل غاضبة، لا سيما من قوى «14 آذار» والأوساط الشعبية التي كانت مستهدفة بالمتفجرات التي اتُّهم بنقلها من سورية لتفجيرها فيها، بالتنسيق مع رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي المملوك. وارتفعت الأصوات المطالبة بتعديل صلاحيات المحكمة العسكرية، ونقل صلاحية نظرها بالجرائم الجنائية التي تمسّ الأمن الوطني إلى المحاكم الجنائية المدنية. وعكست ردود الفعل الانقسام السياسي العمودي القائم في البلاد بين قوى «14 آذار» و «8 آذار» التي ينتمي إليها سماحة. ودان المعترضون على الحكم المخفّف على سماحة (4 سنوات ونصف السنة سجناً وتجريده من حقوقه المدنية)، مسألة التدخلات السياسية في القضاء. قال الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي إن «الحكم يطرح إشكالية أساسية تتعلق بالمساواة بين اللبنانيين أمام القانون والقضاء». وسأل: «كيف يمكن طمأنة الموقوفين وذويهم إلى نزاهة القضاء إذا كان الحق معلقاً بحجج واهية وبسيف المماطلة والتأجيل؟. ورأى أن «العدل والمساواة هما أساس الملك، ومتى اهتزت هذه القاعدة فبئس العدالة والسلام على القانون». واعتبر رئيس «اللقاء الديموقراطي» النيابي وليد جنبلاط حكم المحكمة «فضيحة قضائية وعسكرية وسياسية تتنكر للقانون وتطبيق حكم العدالة لمن خطط وشارف على تنفيذ جرائم وتفجيرات إرهابية كانت ستودي بحياة المئات من الأبرياء وتشعل الوضع الداخلي أمنياً وسياسياً». وقال: «هذا الحكم المخفف والملطف يفتح الباب أمام ملف القضاء العسكري الذي بات يستوجب نقاشاً وإعادة تصويب، لا سيما بعدما توسعت صلاحياته أفقياً وعمودياً بما يتخطى اختصاصه الأساسي، ما يتطلب إعادة صلاحية النظر في الجرائم إلى المحاكم العادية ضمن مجالات اختصاصها. من هنا، فإن الحكم في حق سماحة في حاجة إلى إعادة نظر كي لا يصبح مدخلاً لتشريع الإرهاب والتفجير والقتل واستباحة أمن اللبنانيين وإشعال ساحتهم الداخلية، بما يخدم مصالح أنظمة ومحاور ودول حفاظاً على بقائها ووجودها على حساب استقرار لبنان ودماء أبنائه وأشلائهم». ورأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، عبر «تويتر»، أن الحكم «يقوض ثقة اللبناني بدولته وبوجود عدالة على الأرض، فهل هذا المطلوب؟». وإذ أعلن دعمه لموقف وزير العدل، قال في تغريدة ثانية: «كلنا مع أشرف ريفي في رد فعله، حان الوقت للتخلص من المحاكم الاستثنائية وفي طليعتها العسكرية والعودة إلى المحاكم المدنية». وقال وزير الداخلية نهاد المشنوق معلقاً على الحكم «في حق العميل ميشال سماحة»، وفق مكتبه الإعلامي: «سنثأر لوسام استشهاده الأول بالقانون ولن نسمح باغتياله مرة أخرى بالقانون أيضاً. ولا يزال لدينا قضاة يعرفون الحق ولا يساومون عليه. هذه مسألة تهدد السلم الأهلي وليست تقنية لكي تجري المقارنة بها مع قضايا أخرى أياً كانت». أضاف: «ربط الرئيس ميشال سليمان حين علناً ومن موقعه المسؤول الرسمي بين كشف مخطط «س م » أي سماحة مملوك وبين اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن». وقال: «هذه هي القاعدة التي نعتمدها في مقاربة الاغتيال ونتائجه القضائية التي لا نوافق عليها ولن تمر مهما قال من قال أو فعل من يفعل من أي من الجهات السياسية». ورأى أن «من يستخف بهذا الموضوع يكون شريكاً في الاغتيال وتخريب السلم الأهلي. وعلى الجميع أن يعوا هذه الحقائق قبل الحديث عنها، طفح الكيل وصار كل شيء مباحًا وليسمع من يريد أن يسمع». وأكد ما نقل عن لسانه على باب مجلس الوزراء بأن «حكم المحكمة يعالج بالقانون» ولفت النائب محمد الصفدي الى أن «سماحة اعترف بالجرائم المنسوبة إليه»، متوقفاً عند تسريع محاكمته وتأخير محاكمة الموقوفين الإسلاميين وأي تأخير إضافي يعني تمادي الظلم الذي قد يؤدّي إلى مضاعفات خطيرة». ووصف النائب محمد قباني الحكم ب «المعيب»، معتبراً أنه «تشجيع لأمثاله على خيانة الوطن وتوقع أحكام مخففة. ويأتي بعد الحكم المهزلة على العميل فايز كرم مدة سنتين». واعتبر النائب عمار حوري، أن الحكم يرقى إلى «الجريمة الموصوفة بحق أمن اللبنانيين وسلامتهم». وقال: «الحكم يثبت صوابية الذهاب إلى المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والجرائم ذات الصلة، ويؤكد الهواجس المتعلقة ببعض القضاء في لبنان». واستذكر «الشهيد وسام الحسن الذي دفع حياته ثمناً لمنع وقوع الجريمة التي كان سماحة بصدد تنفيذها فإذا بها تعود عبر هذا الحكم». ودعا النائب محمد كبارة، إلى «إعادة محكمة العسكر للعسكر وإلغاء قانون الطوارئ المقنع». وقال: «فليرفع اضطهاد المحكمة العسكرية عن كاهل أبنائنا المعتقلين عشوائياً بموجب وثائق اتصال وإخضاع باطلة قانونياً؟». وإذ طالب ب «تجميد فوري لعمل المحكمة العسكرية»، دعا «نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس إلى مقاطعة الترافع أمام المحكمة العسكرية حتى إعادتها إلى وظيفتها». ووصف النائب عاطف مجدلاني الحكم ب «الفضيحة». وقال: «يذكرنا بأحكام سابقة كالحكم الذي صدر بحق كرم، وببراءة عمر بكري فستق، والحكم على الضباط في أحداث مار مخايل، وعلى قاتل الضابط سامر حنا». ودعا النائب أنطوان زهرا إلى «حصر صلاحيات المحكمة العسكرية بالتقاضي بين العسكريين». وأشار إلى أن «المحكمة لا تخضع لوزارة العدل إنما لقيادة عسكرية ولا يمكن النظر إلى شفافية عملها». وأكد النائب خضر حبيب أن «الحكم فضيحة مدوية بكل المقاييس، ولن نسمح لأحد بأن يسترخص دماء أهلنا، التي كاد يطاولها غدر سماحة – مملوك»، داعياً وزير العدل الذي «كان له موقف مشرف إلى متابعة الملف حتى النهاية، لأن ما حصل هو مشروع فتنة بامتياز». ورأت الأمانة العامة لقوى 14 آذار أن المحكمة العسكرية باتت «في قبضة جهات أمنية قادرة على إصدار أحكام تناسبها في السياسة». وأيد منسقها فارس سعيد «موقف وزير العدل»، معتبراً أن «أي حدث لا يؤدي إلى جمع اللبنانيين سيؤدي لمزيد من التباعد». ولفت إلى أن «أي حكم يصدر وأي حدث سياسي وقضائي لا يساعد على استقرار لبنان يضر بالوحدة الداخلية»، مشيراً إلى أن «اعتراضنا سياسي». وانتقدت «هيئة علماء المسلمين» الحكم «المعيب»، ودعت إلى «إلغاء المحكمة العسكرية فوراً، وضمان إعادة محاكمة عادلة تضمن معاقبة المجرم بما يتناسب مع جريمته». وطالبت «المحامين الشرفاء في نقابتي الشمال وبيروت بالتمنع عن حضور أي من جلسات المحكمة العسكرية المخصصة لمحاكمة المدنيين حتى إشعار آخر»، ودعت اللبنانيين إلى «اعتبار هذا اليوم يوماً أسود بحق العدالة»، كما دعت «خطباء الجمعة لاستنكار هذه الفضيحة المجلجلة في خطبهم». تعد على القضاء وفي المقابل، كانت للقوى الحليفة لسورية، ول«حزب الله» مواقف مغايرة. ورأت كتلة «الوفاء للمقاومة» النيابية في اجتماعها الاسبوعي «ان اصرار بعضهم على اعتماد سياسة ازدواجية المعايير ازاء عمل القضاء المختص وممارسة التهويل والابتزاز ضده وعدم التمييز بين شرعة القانون وميوله السياسية المتقلبة لن يمكنه من ترهيب القضاء ولا من وضع يده على القضاء». وقال عضو «تكتل التغيير والإصلاح» سليم جريصاتي: «بمعزل عن معطيات ملف سماحة، هالني أن أسمع موقف وزير العدل المتشنج، والذي خرج عن طوره، بمجرد أن محكمة أصدرت حكماً لا يروقه في السياسة». ودعاه «بإلحاح إلى الاستقالة الفورية»، قائلاً: «لست ولن تكون قاضياً ولن نسمح بأن تستبيح القضاء، مهما كلفت الأثمان وأقلها حتماً مبادرتك إلى الاستقالة». واتهمه «بحجب الشاهد المحوري في الملف ميلاد كفوري، وبتخطي صلاحياته». واستنكر «لقاء الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية» في بيان «تصرفات وزير العدل المنافية لقيم العدل، والتي تشكل تعدياً فظاً على القضاء والقوانين، ولا سيما تدخله السافر في الحكم القضائي الذي صدر في حق سماحة». ورأى «أنها تشبه ممارسات الميليشيات الخارجة على القانون، ونطالب رئيس الحكومة بوضع حد لها لأنها تلحق أفدح الأضرار بصورة الحكومة وهيبتها ودورها في حماية استقلالية القضاء واحترام أحكامه». ورشح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية القاضي خليل إبراهيم (الذي أصدر الحكم) لمنصب وزاري»، معتبراً أنه «أحق من الذين أفرجوا عن عملاء إسرائيل وأصبحوا وزراء». أما عائلة سماحة فأصدرت بياناً أوضحت فيه أن «سماحة لم يكن متهماً باغتيال الشهيد وسام الحسن، حتى يبرر وزير العدل هجومه عليه وعلى المحكمة العسكرية باستشهاد اللواء الحسن، بل بتهمة نقل متفجرات طلبها وحددها فرع المعلومات بإشراف وزير العدل ذاته كما صرح بذلك أمس». واعتبرت «الحكم على سماحة بالسجن 4 سنوات ونصف السنة غير متناسب مع فعل نقل المتفجرات بسبب استدراج فرع المعلومات»، مشيرة إلى أنه «لا يحق لمفوض الحكومة تمييز الحكم لأن هذا الحق محصور بأحكام البراءة عملاً بقانون القضاء العسكري».