الصراع على مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية في لبنان بدأ قبل ان تجري الانتخابات. المفترض في المبدأ أن تكون النتائج التي ستخرج من صناديق الاقتراع هي التي ستحدد الاتجاه السياسي في المرحلة المقبلة، وشكل الحكومة الجديدة وبرنامجها. غير أن التصريحات والمواقف لا توحي بأن الأمر سيكون بهذه السهولة، مما يطرح مجدداً سؤالاً قديماً عن مبرر هذا الصخب الواسع القائم حول العملية الانتخابية. يلخص الموقفان اللذان أعلنهما كل من الرئيس فؤاد السنيورة والرئيس نبيه بري الخلاف القائم حول مرحلة ما بعد الانتخابات، وخصوصاً بالنسبة الى التمسك بنظرية «الثلث المعطل»، او الضامن، التي تصر عليها المعارضة الحالية، وتعتبرها شرطاً لا تراجع عنه عند تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات، اياً كان الفائز بالأكثرية. هذه النظرية تولى الدفاع عنها رئيس المجلس النيابي بقوله إنها تضمن مشاركة الجميع في ادارة شؤون الدولة، كما إنها ترجمة عملية للديموقراطية التوافقية التي قال بري انها ليست غريبة عن اتفاق الطائف. فيما أكد الرئيس فؤاد السنيورة مع اعلانه بدء معركته الانتخابية من مدينة صيدا ان فكرة الثلث المعطل غريبة على النظام اللبناني وعلى اتفاق الطائف، وان الصيغة التي تم الاتفاق عليها في الدوحة كانت حلاً موقتاً للخلاف الذي كان يشل المؤسسات في ذلك الحين، وليس ما يفرض الآن الإبقاء عليها. لكن الاستنجاد باتفاق الطائف لتبرير نظرية التعطيل يأخذ هذا الاتفاق الى ما ليس فيه. صحيح ان اتفاق الطائف اكد في مقدمته ان «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك»، غير ان احداً لم يستنتج قبل اليوم ان «العيش المشترك» يعني تمكن الاقلية النيابية من فرض موقفها، بدليل ان الدستور نفسه أقر ان «الشعب هو مصدر السطات وصاحب السيادة»، الأمر الذي يفترض ان يعني ان اصوات الناخبين هي التي يجب أن تحدد اتجاه المسار السياسي للبلد. لكن، وبعيداً عن الجدل الدستوري، هناك وجهتا نظر تقسمان البلد وتتجاوزان الخلاف على البرامج السياسية. وفي مناخ كهذا، ومع قدرة المعارضة الحالية على فرض وجهة نظرها، سواء من خلال حصولها على الاكثرية او من خلال تمسكها ب «التعطيل»، تصبح ممارسة الناخب حقه الانتخابي مجرد عمل فولكلوري، طالما ان تبعاته على العمل السياسي ستكون محدودة. فالممارسة الديموقراطية الحقيقية تقضي ان تتمكن الاكثرية الفائزة من تسلم الحكم وتطبيق مشروعها السياسي، لكن «التعطيل» يحرم الأكثرية من حقها الذي كسبته بنتيجة الانتخابات. الحال الوحيدة التي سوف تستطيع فيها الأكثرية المقبلة التصرف كأكثرية هي في حال فوز المعارضة الحالية بها. في هذه الحال سوف يمتنع فريق كبير من 14 آذار عن المشاركة في الحكومة، الامر الذي يعني عملياً ان لهذه الانتخابات وجهة سير واحدة: اما الأكثرية ل8 آذار بالانتخاب او «الأكثرية» لها بالتعطيل، مع ما سوف يعنيه ذلك من عودة الى المأزق القديم الذي انجب صيغة الحكومة الحالية، التي باتت «تاريخية» في نظر الفريق المعارض.