في بلدة جب جنين التي تبعد عن العاصمة بيروت مسافة 68 كلم، وتقع في البقاع الغربي الذي يلامس سفوح السلسلة الشرقية لجبال لبنان، هنالك ما ينهض على تاريخ مجيد وماضٍ تليد... إنه جسر جب جنين الأثري الضارب في القدم. تتجلى أهمية الجسر التاريخية كونه يعدّ أول جسر يبنى على نهر الليطاني في وسط سهل البقاع. وهو كان يستخدم لربط قرى البقاع شرقاً وغرباً، وبالقرب منه تقع تلة حيمور المشرفة على البقاع كله. وبحسب تصنيف وزارة الثقافة ومديرية الآثار اللبنانية، يعود إنشاء جسر جب جنين الحجري الذي يمر فوق نهر الليطاني إلى عهد الإمبراطورية الرومانية، وقد بقيّ مستخدماً حتى عام 1958. في ستينات القرن الماضي تم بناء جسر موازٍ له ليتقاعد ويبقى من التراث الأثري. ويؤكد الخبراء أن قواعده الضخمة تعود إلى الفترة الرومانية. ولا يزال الجسر واقفاً بقناطره الإثنتي عشرة بارتفاع ثلاثة أمتار، وبعرض نحو مترين، وبطول مئة متر مع قناطر مبنية بطريقة هندسية رائعة تعرف ب «البناء القديم»، أي بترابط الأحجار بعضها مع بعض. والجدير بالذكر أن الجسر القديم أهمل لأكثر من خمسة عقود، وأمسى مهدداً بالاندثار جراء تداخل جذور وجذوع الأشجار الضخمة النابتة بين أحجاره، وتجمع المياه والوحول عند قواعده ذات الأحجار الضخمة، عدا التعديات والتخريب الذي لحقه إبّان الحرب الأهلية اللبنانية من جانب بعض المتطفلين، ظناً منهم أن الأمير فخر الدين، أثناء هروبه، خبأ كنزه فوق إحدى قناطر الجسر! كما نُزعت «بلاطة» كانت موجودة عند الواجهة الجنوبية للقنطرة الوسطى الأساسية. ويقول كبار السن في المنطقة إن كتابات كانت محفورة على جدرانه لم يبق منها شيء اليوم. وللجسر أهمية إستراتيجية، فهو يربط شرق «إهراءات روما» بغربها، والتي يفصلها نهر الليطاني إلى شطرين. ولهذه الغاية استحدث الرومان «تلة» بالقرب من الجسر لتكون نقطة مراقبة لقوافلهم التي تنقل «غلال السهل» من الجهة الغربية إلى الجهة الشرقية. التلة بقيت على حالها حتى عندما جاء العثمانيون الذين استعملوها وعرفت في عهدهم ب «خان» أل حيمور. الجسر القائم حالياً يعود بأعمدته إلى الفترة العثمانية، أما الطبقة الإسمنتية التي تغطي سطحه فهي من مخلفات الانتداب الفرنسي للبنان، وكانت تلك آخر عملية تأهيل عرفها الجسر العتيق. ففي عهد الدولة اللبنانية أُنشئ جسر آخر لا يبعد سوى أربعة أمتار عنه. إبّان الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، أقام الجيش الغازي دشماً عسكرية في المنطقة. ويروي الأهالي أن الإسرائيليين نهبوا آثاراً من التلة الرومانية ونقلوها بطائراتهم العسكرية إلى داخل فلسطينالمحتلة. واليوم تتداعى البلديات والجمعيات الأهلية والتراثية في البقاع الغربي، وعلى رأسها جمعية محترف راشيا الناشطة التي يتولى شوقي دلال إدارتها، للحفاظ على آثار المنطقة ومن بينها على وجه الخصوص جسر جب جنين الأثري الذي يعتبر معلماً جميلاً هاماً. ويطلق دلال مشروعاً للحفاظ على التراث ضمن جمعيته بعنوان «Stop...Rajj3ni». ويقول إنّ جسر جب جنين الأثري «يستحق زيارته عند مروركم على طريق عام كفريا - جب جنين - راشيا الوادي حيث ستشاهدون عراقة الماضي الجميل».