تُعدّ رواية «الرقّة» للكاتب الفرنسي دافيد فينكينوس، من الروايات التي لاقت صدى كبيراً في أوروبا، فحصدت جوائز أدبية في فرنسا وفي أكثر من دولة أوروبية. وبعد ترجمتها إلى لغات عدّة، صدرت أخيراً باللغة العربية، عن سلسلة «إبداعات عالمية»، المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب في الكويت، بترجمة أنجزها كامل عويد العامري. تبدو أحداث الرواية بسيطة واعتيادية، وهي كذلك فعلاً، فالحكاية لا تختلف في تفاصيلها السردية عما نعيشه في حياتنا يومية، أو عما نراه في حيوات الأشخاص المحيطين بنا. تتبنّى «الرقّة» ثيمات سبق أن استُهلكت مراراً في الحواديت الكلاسيكية والدراما التلفزيونية، ولعلّ الكاتب تقصّد ذلك حين اختار أن يكتب رواية عن الحب والقدر، فالأحداث مُعادة ومكررة، لكنها تختلف في أسلوب عرضها، ويتجلّى التجديد حين يتعرض الكاتب لكشف المشاعر الخفية والتفاصيل العميقة للشخوص ولماهية الحب وتقلبات الحياة. تدور القصة بين ناتالي، فتاة سويسرية بارعة الجمال، وفرانسوا، شاب تلتقيه صدفة في الشارع، فتقع في حبه وتتزوجه ويعيشان معاً سبع سنوات من الرغد. ينجح الزوجان الحبيبان في صناعة عالمهما الطوباوي الخاص، وينعمان بسعادة متصلة لا يقطعها أي ملمح من ملامح البؤس، حتى تنهار مدينتهما الفاضلة فجأة، وبصدفة أخرى، حين يموت فرانسوا في حادث سير. موت فرانسوا هو الحدث المفصلي، الذي يؤثّر مباشرة على مصائر الشخصيات الأخرى. تدخل ناتالي في حالة من الاكتئاب الشديد وعدم الرغبة في الحياة، وتُعرض عن فكرة الارتباط مجدداً. أمّا الفتاة التي صدمته بسيارتها، فتتبدل حياتها هي الأخرى، حيث تغدو ضحية شعورها بالذنب، ما يُدمّر حياتها أيضاً. وتتغيّر نظرة رئيس ناتالي في العمل إليها، فيتورّط في حبّها، لتنقلب حياته هو الآخر، حتى يكاد يُصاب بالجنون فيظلّ يُطارد محبوبته الأرملة الحزينة، بلا جدوى، إلى أن يظهر ماركوس، رجل قليل الجمال والثقة بنفسه، يحمل في داخله هشاشة وبراءة، لكنّ مصادفات القدر تجعله على موعد مع قبلة من ناتالي، لتتغيّر من ثمّ حياتهما ويدخلان معاً في مرحلة جديدة. يستخدم ديفيد فينكينوس تقنيات سرد متقدمة وخاصة، يظهر بعضها في الفصول القصيرة التي تمرّ مثل الجمل الاعتراضية، بين الأحداث، عارضاً فيها شيئاً ما، مثل كلمات أغنية عاطفية تذكرتها البطلة وكانت تغنيها مع حبيبها/ زوجها السابق، أو يستغلها في شكل غريب ومفاجئ ليقوم بعرض مكونات الوجبة التي طلبها العاشقان وهما جالسان في مطعم للمرة الأولى، وذلك عبر مشهد لا يخلو من اهتزاز المشاعر وتوتّر الأحداث، قاصداً من ذلك أن يضع القارئ في بؤرة الحدث وكأنه يجالس شخوص الرواية ويتذوق الوجبة نفسها ويردد الأغنية ذاتها معهم. «الرقة» رواية من الواقع الإنساني المعيش، تجمع بين روتين الحياة ومصادفاتها العجيبة بأسلوب روائي جميل.