غداة انسحاب الناقدة المصرية شيرين أبو النجا من لجنة تحكيم جائزة «البوكر» للرواية العربية، أعربت عن تحفّظها عن روايتي «السيدة من تل أبيب» لربعي المدهون و «أميركا» لربيع جابر، وتناولت هذا التحفظ في حوارها مع «الحياة» (الاثنين، 21 الجاري) وفي مقالات لها نشرت في صحف ومواقع عربية. وقد أثار هذا التحفظ ولا سيما ما رافقه من أحكام نقدية، حفيظة الكثيرين من الروائيين والنقاد والقراء. وقد تلقت «الحياة» رسائل عدة في هذا الشأن، يعترض أصحابها على هذه الأحكام غير الدقيقة وغير المبررة. ومن هذه الرسائل نختار مقطعاً من رسالة كتبها الصحافي مراد درويش، وهو فلسطيني مقيم في الشارقة. وجاء في رسالته: «فوجئت بالتهمة التي وجهتها الناقدة المصرية شيرين أبو النجا الى رواية الكاتب ربعي المدهون «السيدة من تل أبيب» التي كنت قرأتها بمتعة كبيرة قبل شهر ووجدت فيها حيز تجسيد للمأساة الفلسطينية. أما ما فاجأني في التهمة كما وردت في كلام أبو النجا، أن الرواية تمدح أحد الزعماء العرب، وهي لم تسمّه في «الحياة» بل في صحيفة أخرى وهو الشيخ الزايد، الرئيس السابق الراحل لدولة الإمارات. وكم بدت على خطأ، وخطأها فادح جداً وكأنها لم تقرأ الرواية حقاً. فهي لو عادت الى الصفحة التي تذرعت بها ورقمها 236 لاكتشفت أنها أساءت فعلاً الى الروائي والى اسمها كناقدة أكاديمية. فالبطل لا يتحدث عن الشيخ زايد - رحمه الله - بل عن مدينة الشيخ زايد التي شيّدت في فلسطين بتبرع من أهل الامارات لتؤوي عائلات الشهداء والجرحى الفلسطينيين. هذا كل ما ورد في الرواية على خلاف ما زعمت الناقدة. وأود هنا أن أورد مقطعاً من تلك الصفحة يؤكد ما كتبه الروائي على لسان الراوي الذي هاله مشهد الدمار الذي أحدثه العدو الاسرائيلي هناك. جاء في الرواية: «حين استقرت السيارة على الطريق العام، لطمني مشهد سريالي التفاصيل. بدت بيت لاهيا وجباليا، توأمين لبلدتين ملتحمتين، كانتا في زمن سابق سحيق، غيما من حجارة وأخشاب ومعادن، امطرته السماء فجأة في ليلة عاصفة. هوى بسرعة نيازك صغيرة، وارتطم بالأرض بعنق، فتهيكلت البيوت وفقاً لحجم ارتطامها: لا شكل ولا لون، ولا حدود ولا طرقات أو معالم واضحة قابلة للوصف. وسط الركام الهائل، نبتت وحدات سكنية جميلة، ذات طرز عربية، وشبابيك نصف دائرية تذكر بمشربيات البيوت الدمشقية القديمة، تبتسم للقادمين من وسط بقايا نيزك البلدتين. أدهشتني نجاتها من مذبحة السماء تلك، وكيف هبطت في المكان بمظلة من رحمة وسع السماء نفسها. سألت، فقيل لي إن الجميلة الباسمة وسط الخراب تلك، هي مدينة الشيخ زايد، التي بنيت بأموال ومساعدات من دولة الامارات العربية المتحدة، وتم توزيع شققها على المعاقين وبعض أهالي الشهداء والمعدمين، ممن فقدوا بيوتهم في المعارك خلال عمليات الاجتياح الاسرائيلية المتكررة. ولم أرفع عيني عن المجمع السكني الذي تجاوزته سيارة عبدالفتاح، الا ان غسلتهما بملامح أمير طيب لم ينس فقراء التوأمين. واصلت السيارة تقدمها. استدارت يساراً ثم يميناً. انفتح المشهد عن أرض خربة شاسعة، قال عبدالفتاح ان بيوتها جرفت بالكامل خلال اجتياح الجيش الاسرائيلي...». هل يمكن، انطلاقاً من هذه الأسطر الجميلة والانسانية، محاكمة ربعي المدهون؟ ألم يعبّر عن واقع المأساة الفلسطينية؟». وتلقت «الحياة» رسالة أخرى من أستاذ جامعي لبناني يدعى سامر رفاعي يأخذ فيها على شيرين أبو النجا، تسرّعها في اطلاق حكم خاطئ على رواية ربيع جابر «أميركا»، ومفاده أن ثمة تطابقاً بين رواية ربيع ورواية ايزابيل الليندي «صورة عتيقة». وجاء في الرسالة: رجعت الى رواية «صورة عتيقة» التي كنت قرأتها عند صدور ترجمتها العربية التي أنجزها صالح علماني، محاولاً اكتشاف هذا «التطابق» بينها وبين رواية «أميركا» التي كنت قرأتها بمتعة، وأدركت أن الناقدة كانت مخطئة فعلاً، فالروايتان تختلفان، في جوها وأحداثهما وشخصياتهما، ولا يمكن المقارنة بينهما بتاتاً. وأشك في أن ناقدتنا قرأت الروايتين، أو لعلها قرأت رواية «أميركا» مجتزأة فلم تتمكن من الاحاطة بها، بسبب طولها على الأرجح وبسبب نَفَسها الملحمي. فرواية «صورة عتيقة» هي أشبه بالرواية البحثية ويقع اطارها التاريخي بين عام 1862 و 1910. أما بطلة رواية أورورا دلابايي فهي تعمد الى تقصي تاريخ عائلتها وعائلات أخرى بحثاً عن ذاتها المغمورة وسعياً الى تخطي عقدة نفسية جعلتها تقع في نسيان أحداث الأعوام الأولى من حياتها. وإذ تمعن أورورا في السرد تصحب القارئ الى عالم التحولات التي شهدتها في سان فرانسيسكو أولاً ثم في تشيلي، عندما تأتي بها جدتها لتتعرّف على أرض أسلافها (...). ويمكن القول إن «صورة عتيقة» هي رواية نسوة باسلات يواجهن أقدراهن بعناء وقوة وارادة(...)». ويضيف: «أي تطابق بين رواية «صورة عتيقة» ورواية «أميركا» التي هي في وقت واحد حكاية «مرتا» وحكاية المهاجرين السوريين أو اللبنانيين الذين نزحوا الى العالم الجديد أو أميركا(...). وإنني أقترح على الناقدة المصرية أن تقرأ المقالات التي كتبها نقاد أكاديميون عن رواية «أميركا» ومنهم يمنى العيد وفيصل دراج عساها تدرك أنها تسرّعت في حكمها. وما يجب استغرابه صمت أعضاء لجنة التحكيم عن مثل هذا الحكم الذي أطلقته الناقدة خلال اجتماع اللجنة».