شهد الربع الأول من عام 2015 حصد أهم المنظِّرين في المجال الشرعي والقتالي لما يعرف ب «تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب» التي تنشط في اليمن منذ كانون الثاني (يناير) 2009. وعلى رغم أن الساحة اليمنية تحوّلت منذ عقود إلى صراع وفوضى، فإن «القاعدة» حافظ على مكتسباته في مناطق معينة من الجنوب، واستطاع أن يبني معسكرات وميادين تدريبية وتربوية لتخريج المقاتلين. إلا أن نشوة ازدهار التنظيم المندمج مع فرع «القاعدة» في السعودية أخذت تخبو منذ عام 2013، بعد أن استطاعت طائرات «دورن» الأميركية التي تطير بلا طيار، أن تقتل عدداً من أبرز القادة ذوي النفوذ في التنظيم، وعلى رأسهم نائب قائد التنظيم السعودي سعيد الشهري. كانت البداية في شباط (فبراير) الماضي، حين تم قتل حارث النضاري المعروف ب «محمد المرشدي» القيادي وعضو «اللجنة الشرعية» للتنظيم. والنضاري، بحكم ما يتمتع به من خبرة عسكرية وقيادية، كان يتم تحضيره ليتبوأ منصباً رفيعاً في قيادة التنظيم، ولم يمضِ أقل من شهرين حتى بث التنظيم الشهر الماضي نعياً للقيادي السعودي إبراهيم الربيش، الذي تولى منصب «مفتي التنظيم». وبمقتل القيادي النضاري والمنظر الشرعي الربيش في غضون أشهر، يكون التنظيم دخل دائرة «اختلال التوازن»، بعد تضعضع ركنين أساسيين يقوم عليهما، وهما: الميداني والشرعي. وليس واضحاً من سيخلف هذين الاسمين في المرحلة المقبلة في تنظيم «القاعدة»؟ ويعتقد الخبير المصري في شؤون الجماعات الإسلامية الدكتور حسين غندور، أن هناك موجتين ضربتا تنظيم «القاعدة» في مقتل، وهما: «الربيع العربي» وولادة «داعش». وقال ل «الحياة»: «موجة الربيع العربي قلبت المفهوم الذي روّجه «القاعدة» للتغيير، من الخروج المسلح إلى التجمعات الاحتجاجية. ونجح هذا النوع في خلق صوت عال يؤمن به بوصفه طريقة للتغير، ما يعني أن البندقية لم تعد خياراً فعالاً من الممكن الاستناد إليه». ودعا غندور إلى استذكار خطاب زعيم تنظيم «القاعدة» السابق أسامة بن لادن، الذي امتدح فيه ما جرى في الميادين العربية، منوهاً بأن ذلك «لم يكن في حسبان التنظيم نفسه»، مضيفاً أن «داعش» شكل عبئاً بعد أن أوجد موجة جهادية خطفت الأضواء من «القاعدة» الأم، على رغم هجوم المنظرين عليه والتشكيك في منهجه الشرعي. ويرى خبير عسكري أن «الساحة الجهادية لن تعدم تقديم قيادات جديدة، لكن أزمتها تكون في نوعية القيادة وشخصيتها التي يعول عليها في خلافة سلفه»، منوهاً بأن «مجلس الشورى» في التنظيم في حاجة إلى ترتيب بيته من الداخل، متوقعاً أن يكون الهدف المقبل للاستهداف القيادي قاسم الريمي الذي يتزعم التنظيم. وذكر الخبير السوداني أيمن سيف الدين، أن «القاعدة» لم يعد مؤهلاً لاستقطاب الكوادر كما كان في السابق، إذ إن الجهادي المقاتل من أي بقعة من بقاع الأرض يرى الآن أن المعركة ليست في اليمن بل في العراق وسورية، لذلك لن يكون اليمن خياراً مناسباً إلا لليمنيين المنتظمين في المعركة، بحكم وجودهم على الأرض، إضافة إلى قلة قليلة متسللة عبر الحدود السعودية، وبعد «عاصفة الحزم» لن تجد لها مخرجاً يسيراً كما كان يحدث سابقاً». وعن أزمة القيادة الجديدة في التنظيم، قال سيف الدين ل «الحياة»: «نقص القادة متوقع بعد تصفية المؤهلين القدماء إما بالقتل وإما بالاعتقال، ومع ذلك لا أظن أن الأزمة أزمة قيادة، ولكن هي أزمة نوعية، في: من سيحل محل سلفه هل يستطيع أن ينجز ما أنجزه؟، وخصوصاً أن هذه التنظيمات في حاجة إلى عقيدة عسكرية مختلفة عن الجيوش النظامية».