أنعشت نتائج انتخابات جامعة بيرزيت في الضفة الغربية حركة «حماس» وأعادتها إلى الواجهة من جديد، بعدما تراجعت مكانتها بصورة لافتة في المشهد الفلسطيني جراء غرقها في مشكلات قطاع غزة المحاصر، خصوصاً في مرحلة ما بعد الحرب الأخيرة التي نتج عنها تدمير أكثر من مائة ألف بيت بين هدم كامل أو جزئي. وفازت «حماس» بأكثر من 50 في المئة من أصوات طلاب الجامعة التي تطلق عليها ألقاب مثل «الأعرق» و «الأبرز» و «الأهم» في الأراضي الفلسطينية، وهو الفوز الأول من نوعه للحركة في تاريخ هذه الجامعة التي منحها وقوعها قرب رام الله، العاصمة الإدارية للسلطة الفلسطينية، أهمية سياسية كبيرة. وتراجعت مكانة «حماس» في شكل كبير في الضفة الغربية منذ العام 2007، بعد سيطرتها على قطاع غزة بالقوة المسلحة، إذ أعلنتها السلطة حركة محظورة، ولاحقت ناشطيها وأغلقت مؤسساتها ومنعتها من القيام بأي أنشطة، وهو تماماً ما فعلته «حماس» بحق «فتح» في قطاع غزة. وقرع فوز «حماس» في انتخابات جامعة بيرزيت أكثر من جرس إنذار في حركة «فتح» التي رأت فيه تحدياً كبيراً لها. وطالب بعض كوادر «فتح» الرئيس محمود عباس بمحاسبة أعضاء اللجنة المركزية للحركة على هذه النتيجة. وعزا اللواء عبدالله كميل، وهو من أبرز القيادات الشابة في «فتح»، الفشل إلى تقصير قيادة الحركة. وكتب على صفحته في موقع «فايسبوك» أن «حركة فتح بتاريخها المشرف وكادرها ومناضليها لا تستحق أن يحصل لها ما حدث، ولكن كيف لا يحصل ما حصل واللجنة المركزية العظيمة في وادٍ بعيد من الحركة». ودفعت النتائج بعض قيادات «حماس» إلى المطالبة بإجراء انتخابات عامة للسلطة الفلسطينية بعدما كانت رفضت هذا الطلب في السابق، معتبرة فوزها في بيرزيت مؤشراً على تنامي قوتها وقدرتها على تحقيق نتائج مهمة في أي انتخابات تجرى في البلاد. وقال رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل في أول تعليق له على النتائج: «نحن جاهزون للانتخابات العامة في أي وقت». ويرى كثير من المراقبين أن على قيادة «فتح» أن تتوقف مطولاً أمام هذه النتائج، مذكرين بنتائج الانتخابات العامة التي جرت في الأراضي الفلسطينية العام 2006 وفازت فيها «حماس» بغالبية ساحقة غيرت معها المشهد السياسي في الأراضي الفلسطينية حتى اليوم. وقال الكاتب جهاد حرب أن «نتائج الانتخابات مؤشر على عدم رضى الناس عن أداء قيادة حركة فتح، سواء في إدارة السلطة أو في إدارة الملف السياسي». وأضاف: «في الملف السياسي لم تحقق حركة فتح أي إنجاز في مشروعها الرامي إلى إقامة دولة مستقلة عبر المفاوضات، وفي إدارة السلطة يتذمر الجمهور من مشاكل البطالة والفقر والمحسوبية في الجهاز الحكومي». وتواجه «حماس» تحديات صعبة في غزة جراء تفاقم مشكلات الحصار والبطالة والفقر وتعثر إعادة إعمار ما دمرته الحرب الأخيرة. وتحظر «حماس» إجراء الانتخابات في الجامعات في غزة منذ سيطرت على القطاع. لكنها سمحت الشهر الماضي بإجراء انتخابات لنقابة المحامين سجلت فيها «فتح» فوزاً ساحقاً. ويرى مراقبون أن الناخبين في غزة يصوتون لحركة «فتح» احتجاجاً على ممارسات «حماس» الحاكمة، فيما يفضل الناخبون في الضفة الغربية «حماس» احتجاجاً على أداء حكومات «فتح». واستخدمت قيادات «حماس» نتائج انتخابات بيرزيت في بناء خطابها السياسي للمرحلة المقبلة تجاه الداخل (أعضاء الحركة وأنصارها) والخارج (القوى السياسية الأخرى والجمهور). وقال مشعل في كلمة مسجلة ألقاها أمس في احتفالات أقامتها الحركة لمناسبة فوزها: «حين نبني نظامنا السياسي الفلسطيني في إطار السلطة ومنظمة التحرير والنقابات والهيئات ومجالس الطلبة في الجامعات والمدارس، فنحن إنما نخطو الخطوة الأولى على طريق المشروع الوطني». وأضاف أن «الانتخابات ليست هي المشروع، هي الخطوة الأولى مثل الطالب الجامعي على مقاعد الدراسة. هي مجرد بداية حتى نكمل تعليمنا، وهنا نريد أن نكمل مشروعنا ومشوارنا الوطني الذي يبدأ بتحرير الوطن واستعادة الأرض وتخليصها من الاحتلال».