خرج أرمن لبنان أمس، صغاراً وكباراً وكهولاً، الى الشارع في مسيرة ضخمة إحياءً للذكرى المئوية للمجازر التي ارتُكبت بحقّ أجدادهم من جانب السلطة العثمانية، والتي لا تزال تركيا لا تعترف بها. وارتفعت الأصوات عالياً خلال المسيرة، وأُلقيت خطابات على أرض الملعب البلدي في برج حمود تؤكد أن الأرمن «لن ينسوا» ما حصل، فيما قُرعت الكنائس الأنطاكية أجراسها ورُفعت الصلوات للمناسبة. وترأس كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا، آرام الأول كيشيشيان، قداساً «لراحة نفس مليون ونصف المليون شهيد»، في كاثوليكوسية الأرمن لبيت كيليكيا. وكانت الحكومة اللبنانية أوقفت الدراسة في المدارس الرسمية والخاصة احتراماً للذكرى. كيشيشيان وألقى كيشيشيان عظة بعنوان «نطالب بالعدالة»، أمام النصب التذكاري لشهداء الإبادة الذي دشّنه، ويضم رفات بعض ضحايا الإبادة، في حضور وزراء ونواب وأعضاء من السلك الديبلوماسي وفاعليات. وقال: «بعد مئة عام على الإبادة الأرمينية، نقف أمام العالم وتركيا مؤكدين قيامتنا، ونردد أن فجراً جديداً أشرق في حياة الشعب الأرميني أينما وجد. وبعد مئة سنة، تبقى أرمينيا على خريطة العالم باستقلال تام وللأمة الأرمينية مكانتها الخاصة في المجتمع الدولي. وكفاحنا من أجل الاعتراف بالإبادة لم يكن سهلاً ولم ينته بعد. ومئوية الإبادة تذكير وتحدّ في آن معاً لكل الأرمن لتجديد التزامهم بالعدالة وكرامة الإنسان وحقوقه». وأضاف كيشيشيان: «لا نعتبر تركيا عدوّنا، ولكن لنا مطالب محقة وعادلة منها. أجداد تركيا الحالية أبادوا أجدادنا ضمن خطة مدروسة ومنفّذة بمنهجية محترفة. هذا ليس خيالاً بل واقع تاريخي موثّق بالبراهين والأدلة الدامغة. والعدالة أساس القانون الدولي. لا يستطيع القادة الأتراك إسكات صوت العدالة. لا نطلب من تركيا التعزية، بل نطالبها بالاعتراف بالإبادة وإحقاق العدالة». ورأى أن تركيا «اليوم تشوّه الحقائق بإضفاء الطابع الديني على مطالبتنا بالعدالة. ليس لقضيتنا أي علاقة بالدين. عاش الأرمن مع المسلمين والعرب منذ القرن السابع ميلادي، جنباً إلى جنب في مناطق تواجدهم، باحترام متبادل وتفاهم. نحن ممتنون لإخواننا العرب الذين فتحوا ديارهم أمام الناجين من الإبادة والمجازر، وتقاسموا خبزهم وبيوتهم. أما العالم العربي، وخصوصاً لبنان وسورية، فأصبح مركزاً للنهضة الأرمينية. إن مساندة المجتمع الدولي في غاية الأهمية بالنسبة الى قضيتنا العادلة. نرفض العنف والكراهية بكل أشكالها وأنواعها. نؤمن بالسلام المبني على العدالة والتصالح بين الشعوب». وكان رئيس الحكومة تمام سلام اتصل بكيشيشيان معرباً له عن «مشاعر التعاطف مع الطوائف الأرمنية كافة في الذكرى الأليمة»، مؤكداً «أن لبنان يعتزّ بكل مكوناته ويعيش قضاياها وما تحمّلته تاريخياً من مآس». وأعرب «عن تقدير جميع اللبنانيين للدور الإيجابي والبناء الذي تضطلع به الطوائف الأرمنية كافة في الإطار الوطني الجامع، بهدف تعزيز وحدتنا وتماسكنا الوطني». وانطلقت مسيرة من كاثوليكوسية الأرمن الى ملعب بلدية برج حمود، وبدعوة من الأحزاب الأرمنية الثلاثة: «هنشاك» و «طاشناق» و «رامغافار». ورفع المشاركون فيها أعلام أرمينياولبنان، ولافتات كُتبت بالإنكليزية والعربية تطالب بانتصار الحق. وحضر المهرجان الخطابي ممثلان عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري وسلام. ودعا رئيس حزب «هاشناك»، ألكسندر كشكريان، تركيا الى «مواجهة ماضيها بصدق، والاعتراف بالإبادة كخطوة أولى لمحاولة إيجاد جوّ من الثقة»، مؤكداً: «لسنا هواة أحقاد بل دعاة سلام، ونرفض الحروب والإبادات، ونتضامن مع المظلوم ضد الظالم، وثورتنا ليست موجّهة ضد الدين الإسلامي». ورأى رئيس حزب «رامغافار»، مايك فيجيان، «أن إنكار القتل مشاركة فيه، لا يمكن لأحد أن يدين مجزرة وأن ينكر أخرى، هذا نفاق. إننا نؤمن بحقوق الإنسان، ونتبنى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ونحن جادون بفضح الجرائم السابقة واللاحقة، لا نقبل بإهمال الجرائم المرتكبة، ويجب دفع التعويضات لشفاء الذاكرة». وطالب الأمين العام لحزب «طاشناق»، النائب هاغوب بقرادونيان، السلطات التركية ب «الاعتراف بمسؤوليتها عن الإبادة والتعويض عن الخسائر البشرية والمعنوية والاقتصادية». كما طالب الدول العربية بالاعتراف بمسؤولية تركيا عن الإبادة، فالشعوب العربية عاشت الظلم والقهر 4 قرون من الاحتلال وقتل المسيحيين والمسلمين في لبنان وسورية والعراق، والمجاعة المفروضة على جبل لبنان، ومشانق 6 أيار تجعل من قضية الإبادة عربية أرمنية واحدة أقوى من المصالح الاقتصادية والتسويات مع دولة قامت على أشلاء الشهداء الأبطال، وأبقت على تحالفاتها مع العدو الإسرائيلي». تضامن وتضامن الرئيس ميشال سليمان، عبر «تويتر» بالعربية والأرمنية: «مع الشعب الأرمني ونطالب معه»، فيما رأى الرئيس السابق للمجلس النيابي حسين الحسيني «ان ذكرى المأساة ستبقى حية في ضمير الانسانية، والمطلوب ضمانات دولية عبر الشرعية الدولية». وأكد وزير الإعلام، رمزي جريج، «أحقية هذه القضية»، مطالباً المجتمع الدولي ب «إحقاق الحق وبإنصاف شعب تعرّض لجرائم موصوفة ضد الإنسانية». اما في طرابلس فسجل رفع اعلام تركية في اسواق شعبية.