«ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاث: الشجاع في الحرب، والكريم في الحاجة، والحليم عند الغضب» - لقمان الحكيم. تتجسد المقولة السابقة في الجندي أول معدي القحطاني الذي تعرض لكسر في يده ما وفر له تقريراً طبياً، وإذناً رسمياً للغياب عن عمله على الحدود السعودية - اليمنية في قطاع سرو سقام في «متروبوليس» أو المكان المزدهر بحسب تسمية الجغرافي اليوناني بطليموس ل«نجران» التي كانت تعرف بهذا الاسم قبل التاريخ الميلادي، رافضاً الابتعاد عن حدود بلاده خلال الحرب لإحقاق الحق ونصرة الجار التاريخي «اليمن». ويقف «معدي» ابن تهامة قحطان جنباً إلى جنب مع رفيقه ورئيسه المباشر نائب قائد قطاع سرو سقام النقيب طلال الصبحي الذي يشير بسبابته من أحد سفوح جبل اللجم على الضفة الجبلية الأخرى، ويقول: «هناك يقبع العدو». وعلى رغم إصرار النقيب الصبحي على مرافقه القحطاني بالبقاء برفقة أسرته جراء الإصابة التي تعرض لها في ساعد يده الأيمن خلال مهمة عمل لحرس الحدود السعودي قبل بدء عملية «عاصفة الحزم» بأسبوع منذ انطلاقها، إلا أنه رفض وفضل البقاء مع رفاق السلاح بعيداً عن زوجته وطفلته الوحيدة التي لم تكمل بعد 60 يوماً في هذه الدنيا. وطوال الأسابيع الثلاثة الماضية، يرافق معدي النقيب طلال الصبحي الذي يقضي عامه التاسع على الحدود السعودية – اليمنية في منطقة نجران في رحلته المكوكية على الجبال الواقعة في نطاق سقام (غرب نجران) لتفقد الاستعدادات، والتحركات التي يرصدها رجال حرس الحدود والقوات البرية السعودية على الحدود، لاسيما في الفترات المسائية، لتجمعات الحوثيين الساعين إلى الولوج للأراضي السعودية عبر الطرق الجبلية، مستغلين صعوبة التضاريس، والتداخل الجغرافي بين البلدين. ويتولى النقيب الصبحي مهمة مراقبة أكثر النقاط خطورة ليس في هذه الفترة فقط، بل على طوال فترة عمله كون هذا القطاع الجبلي المهم يمثل طريقاً حيوياً لمهربي الذهب الأسود «الحشيش»، إضافة إلى قطاع جبلي آخر يعرف باسم «الموفجة» المجاور لسد نجران الشهير، والذي شهد استهداف نقطة عسكرية سعودية أدت إلى مقتل ثلاثة ضباط صف سعوديين وإصابة آخرين أخيراً. ورصدت «الحياة» خلال جولة ميدانية في قطاع سرو سقام برفقة المتحدث الإعلامي للمديرية العامة لحرس الحدود في منطقة نجران الرائد علي القحطاني، والنقيب الصبحي والجندي أول القحطاني هدوء خلال الفترات النهارية، لكن هذا الهدوء الخداع لم يقلل من أهبة الاستعداد لحارسي الحدود السعودي - بحسب الرائد القحطاني الذي يقول: «لا يجب الاستهانة بالعدو». وبدأت الجولة بعد تقديم واجب الضيافة من أحد مخيمات رجال حرس الحدود، إذ بمجرد الخروج من البوابة، وبعد ضرب عسكري البوابة بيده اليمنى على بندقه الذي يحمله على ذارعه اليسرى، تلحظ تجاور القوات البرية الملكية السعودية ورجال حرس الحدود في نقاط أمنية مشتركة تتضمن أبراجاً للمراقبة، وكاميرات حرارية، وأجهزة لاسلكية، وعيون رجال لا يغفلون شاردة أو واردة على حدود بلادهم التي تخوض حربها ضد الميليشيات الحوثية لإعادة الاستقرار إلى اليمن. ويؤكد النقيب ناصر الصبحي خلال حديثه إلى «الحياة» أن عمليات التهريب التي كانت تحدث في السابق انقطعت بشكل كامل منذ بدء عمليات عاصفة الحزم التي تقودها السعودية ضد الحوثيين منذ ثلاثة أسابيع، مشيراً إلى أن تجمعات الحوثيين في هذه المنطقة تكاد تكون معدومة، لاسيما خلال الفترة النهارية. ويقول: «تتركز جهود قطاع حرس الحدود خلال الفترة الحالية في العمل الاستخباراتي من خلال جمع المعلومات عن العدو، وفي حال تم رصد أي تحركات لتجمعات تابعة للحوثيين أو القوات العسكرية الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح تتم مبادرتهم بإطلاق النار، بالتنسيق مع الجيش الذي بدوره يتولى المهمة إذا كان الأمر يتطلب استخدام أسلحة ثقيلة». ويوضح نائب قطاع سرو سقام أنه لا يوجد توجه لإزالة بعض القرى الحدودية مع اليمن في منطقة نجران، ولم تصدر توجيهات في هذا الشأن، مشيراً إلى أن المناطق السكنية المحاذية للحدود تبعد مسافة 15 كيلومتراً – وفق المسافة المتعارف عليها دولياً. ويشير الصبحي إلى أن قطاع سرو سقام الحدودي مع اليمن مكتظ بالقوات المشتركة من حرس الحدود والجيش، والمجهزة بكامل العتاد العسكري والأسلحة المتنوعة، وتكمن مهمتها بالدرجة الأولى في حماية الحرمين والمواطن، مبيناً أنه لم تصدر أي توجيهات من السلطات العليا بالدخول إلى الحدود اليمنية. وامتدح نائب قطاع سرو سقام تعاون المواطنين مع القوات المشتركة على الحدود، مشيراً إلى استعداد المواطنين لمساعدة رجال حرس الحدود والجيش، «لكن القوات لم توجد في الجبهة إلا لحمايتهم». ويلحظ المتجول في قطاع «سرو سقام» انتشار المتاريس والمعدات العسكرية والعربات والدبابات على جنبات الطريق المؤدي إلى أعالي جبل اللجم بصورة تقطع على العدو فرصة التسلل، وتزود رجال الجيش وحرس الحدود بالأدوات العسكرية اللازمة من أسلحة، وبنادق، ومناظير للرؤية النهارية والليلية. في المقابل، يقطع الرائد علي القحطاني، الذي كان طوال الجولة يطلب من مراسلي «الحياة» التركيز على الضباط والجنود المرابطين على الجبهة كونهم يستحقون الضوء في مثل هذه الأيام، مفضلاً البقاء بعيداً خارج إطار الصورة، أكثر من 200 كيلومتر يومياً على الجبهات المتعددة للحدود المشتركة في القطاعات الثلاثة سقام، خباش، الوديعة، لمساعدة وسائل الإعلام في أداء مهماتها، وتذليل الصعوبات أمام مندوبيها، مردداً: «هذا واجبي.. هذا واجبي.. لا داعي للتركيز علي دوري». ويكشف الرائد القحطاني عن ضبط القوات المرابطة على الحدود منذ انطلاق عملية «عاصفة الحزم» على 198 متسللاً حتى الإثنين الماضي، مبيناً أن غالبيتهم من جنسيات أفريقية، وقلة من اليمنيين. ويوضح أن رجال حرس الحدود مزودون بأحدث التقنيات التي تساعدهم في ضبط الحركة واصطياد المتسللين والمهربين، مضيفاً: «نعتمد على الكاميرات الحرارية، والسياج الأمني المعروف باسم الكونسرتينا الذي يحد من ولوج الراجلة أو القادمين على الأقدام للأراضي السعودية». وعند سؤاله إذا ما كانت القوات المشتركة بين رجال حرس الحدود والجيش قد رصدت منذ بدء عاصفة الحزم حركة على الحدود، يقول: «نلحظ وجود بعض التحركات، خصوصاً في الفترة الزمنية المحصورة بين المغرب والفجر، ويتكون التجمع الواحد من 50 إلى 100 شخص، لكن بمجرد إطلاق النار عليهم ينسحبون». الإيمان، والروح المعنوية العالية خلاصتان خرجت بهما «الحياة» خلال جولتها الميدانية، فكل من التقتهم من ضباط وجنود مرابطين على الجبهة طوال الأيام ال20 الماضية، كانوا متيقنين من نصر بلادهم في حربها التي يرونها عادلة، والابتسامات التي يستقبلون بها زائرهم تعكس ثباتهم، فلا خوف على وطن يحرسه هذا النوع من الرجال.