تجمع الحدود الواقعة في نطاق مسؤوليات حرس الحدود بمنطقة نجران بين الجبال الشاهقة والصحراء الشاسعة المعروفة بكثبانها الرملية المخيفة، وتمتد من مركز عاكفة شرقي نجران، الذي يمثل بداية حدود مسؤوليات قيادة المنطقة، وانتهاء بآخر نقطة لحدود هذه المسؤوليات على الحدود السعودية مع اليمن وسلطنة عمان وعلى مسافة 1200 كم تقريبا. تجولت بالأمس برفقة النقيب طلال الصبحي مساعد قائد مجمع سرو سقام بمنطقة نجران في المواقع ذات الطبيعة الجبلية، التي تسجل دائما أروع البطولات، لرجال عرفوا بغنى نفس وطهارة يد وإخلاص لوطن وقادة وحفاظا على إرث ومستقبل، رغم أنهم يواجهون عدوا غاشما غادرا لا يعرف غير لغة السلاح لتحقيق أهدافه البائسة. رجال في مواجهة الخطر كانت نقطة الانطلاقة عبر طريق أسفلتي من مجمع سرو سقام جنوبي مدينة نجران، باتجاه الجبال المحاذية للحدود اليمنية، وتحديدا المقابلة لمحافظة صعدة معقل المتمردين الحوثيين، ولاحظنا انتشارا لدوريات حرس الحدود، وتواجدا مكثفا لرجال القوات المسلحة، لكنني لم أشاهد أسلاكا شائكة أو مصدات حديدية، فاعتبرته سؤالا موجها للنقيب الصبحي: ليرد مبتسما «عزيمة الرجال هي التي تضاعف درء المخاطر في حماية الوطن»، مضيفا: «لاشك أن الأسلاك والكاميرات الحرارية والتقنية المستخدمة حاليا في جميع قطاعات حرس الحدود ضاعفت الحماية». وسط تطمينات النقيب الصبحي وعدد من الأفراد، بأن الأوضاع مطمئنة وتحت السيطرة، زرنا بعض النقاط التي يتمترس فيها جنود من القوات المسلحة وحرس الحدود في حالة من التأهب، والتقينا عددا من الأفراد الذين عبروا عن فخرهم واعتزازهم بالمشاركة في حماية حدود الوطن والوقوف في وجه كل من تسول له نفسه المساس بأمن الوطن وتهديد استقراره، وأكدوا بأن العالم أجمع بات يدرك مآرب وأهداف الجماعة المتمردة التي نكلت بالشعب اليمني وهددت أمنه واستقراره، ومحاولتها البائسة في تمكين دول من السيطرة على الأراضي اليمنية للإضرار بأمن واستقرار المملكة. مراقبة تحركات الحوثيين بعد حديثنا مع الأبطال البواسل توجهنا إلى نقطة مواجهة مباشرة لجبل يطل من خلاله المتمردون الحوثيون مباشرة على الحدود السعودية، ورغم ذلك يبقى الأبطال صامدين لا تجرؤ عناصر الشر على مواجهتهم، لأنهم يعلمون أنهم رجال يؤمنون بقضيتهم في الحفاظ على أمن وطنهم وتخليص جيرانهم من الأعمال البربرية التي تمارس ضدهم. استمعنا إلى شرح مفصل عن كيفية مراقبة تحركات بعض المجاميع الحوثية التي تناوش من حين لآخر بطلقات نارية بائسة، وقال النقيب الصبحي، إن عملية مراقبة الحدود تتم على مدار الساعة، ومن خلال أفراد مدربين تدريبا عاليا، يمكنهم من التعامل بحرفية مع التقنية الحديثة، التي أثبتت نجاحها في رصد كل من تسول له نفسه الدخول إلى الأراضي السعودية، أو الاعتداء على رجال الأمن المرابطين على طول الحدود، مشيرا إلى أن خطة الدوريات تعتمد على العمل بنظام المراقبة الثابتة ودوريات المسح، إضافة إلى بعض الدوريات الراجلة. وأوضح أن الكاميرات الحرارية منها ما هو ثابت في الأبراج ومنها ما هو محمول على السيارات المتحركة، مع الاعتماد على المشاعل الضوئية والتي هي عبارة عن قنبلة ضوئية توضع في الأماكن التي قد يستهدفها الحوثيون، والتي بمجرد ملامستها من قبلهم تنفجر وتضيء مساحات شاسعة من الموقع، وبالتالي تكشفهم ما يمكن الدوريات من التعامل معهم والقبض عليهم، مبينا أن مشروع الشبك الشائك «كنسرتينا»، وأنظمة الرادارات المتكاملة، وشق الطرق وتمهيدها كلها أسهمت في تأمين الحدود الجبلية. عمليات تمشيط دقيقة ويتنقل ضباط وأفراد حرس الحدود بين النقاط عبر طرق وعرة وخطيرة، إلا أنها لم تعد تشكل أي صعوبة أمامهم بحكم ممارستهم لمهامهم العملية اليومية، والتي يأتي في مقدمتها تأمين الحدود بعمليات تمشيط دقيقة، يرتبطون خلالها بغرفة العمليات المشتركة وغرفة عمليات قيادة حرس الحدود بمنطقة نجران، التي تعتبر القلب النابض للقيادة، بجميع القطاعات والدوريات التي تعمل على امتداد أكثر من 1200 كلم، بدءا من مركز عاكفة غربي نجران وحتى المثلث الحدودي مع اليمن وعمان، لتلقي البلاغات عبر خط ساخن في غرفة القيادة والسيطرة، التي تضم أجهزة عالية التشفير وبنسبة أمان عالية، تمنع التنصت والاختراق. عدنا من أعالي الجبال الشاهقة التي تسطر أروع التضحيات لرجال نذروا أنفسهم لخدمة وطنهم والمحافظة على أمن مواطنية، إلى مركز مجمع سرو سقام، ونحن نشعر بالفخر والاعتزاز بوطن شامخ يعيش واحدة من أروع صور التلاحم بين القيادة والشعب، عنوانها الوقوف صفا واحدا في وجه عدو غاشم تخلى عن المبادئ الإسلامية والقيم الإنسانية، ساعيا إلى تحقيق أحلام وهمية تتمثل في زعزعة أمن واستقرار دول المنطقة، وهو لا يدري بأن المملكة حكومة وشعبا قادرة وبعون من الله على إفشال مخططاته بل وتلقينه درسا ستجعله يفكر ألف مرة مستقبلا قبل أن يعود إلى ممارسة هذه الأعمال المشينة بحق اليمن وجيرانه.