يختصر المخرج السينمائي السعودي نضال الدمشقي 70 ساعة، من وقائع مؤتمر «فكر7»، الذي أقيم في القاهرة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 في ساعة واحدة. حملت هذه الساعة بين دقائقها «البكائية العربية والتبرم من الواقع، والسرعة في تدارك الأمر قبل فواته». ولم توفر البكائية «ثقافة أو تنمية أو حقوق إنسان أو تعليماً»، والتي خاض غمارها علماء وباحثون ورجال أعمال وسياسيون ومثقفون، من مختلف ارجاء الوطن العربي في جلسات المؤتمر. وعمل الدمشقي على فيلمه الوثائقي «قصة مؤتمر» بعد الانتهاء من وقائع مؤتمر «فكر 7» مباشرةً، ملخصاً جلساته في أهم النقاط المثيرة للجدل، ومختصراً عدد المتحدثين من 37 في الجلسات إلى 34 في الفيلم، الذي بدأ بجلد قاس للذات، وموسيقى «قلقة». ولم يظهر من المتحدثين في الدقائق الأولى من الفيلم، ما يدعو إلى التفاؤل. كما لم يرتفع بينهم صوت يدعو إلى الأمل، عدا عن الدقائق التي تحدث فيها الأمير خالد الفيصل، وبسط فيها حلمه عبر «مؤسسة الفكر العربي»، إضافة إلى النائب التنفيذي للرئيس المكلف الشؤون المالية والإدارية ل «جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية» نظمي النصر، الذي أظهر الآمال المعلقة على «جامعة الملك عبدالله» قبل افتتاحها. وسيعرض الفيلم في مؤتمر «فكر 8»، الذي تنطلق أعماله في دولة الكويت اليوم، بعنوان «التكامل الاقتصادي العربي: شركاء من أجل الرخاء». وتطرح «مؤسسة الفكر العربي» في كل مؤتمر فكرة، وتختار عاصمة عربية، وتجمع المتخصّصين من علماء ومفكرين وسياسيين للتباحث فيها، وإيجاد حلول لها. كما تُرسل المؤسسة تقريراً مفصلاً إلى الجهات العليا في كل دولة عربية، مزوداً بنقاط الضعف والحلول المقترحة. وانطلقت فكرة «المؤسسة» ك «حاضنة لروّاد الفكر العربي»، من الأمير خالد الفيصل، ووسط دعوات الإحباط والتشجيع استقطبت 43 عضواً مؤسساً، من سياسيين ومثقفين ورجال أعمال من العالم العربي، أسهموا في دعمها مادياً ومعنوياً. وتعمل المؤسسة التي تتخذ من بيروت مقراً رئيساً لها، على استثمار مواردها في خدمة «الفكر العربي»، وتقيم أربعة مؤتمرات في كل عام، ويعد «مؤتمر فكر» في صوره السبع الأهم بينها، وهو المؤتمر الثقافي الأكبر على مستوى العالم العربي، كما يعدّ الثاني على مستوى العالم بعد مؤتمر «دافوس» العالمي. وبدأت منذ العام الماضي في إصدار تقرير سنوي يثير القضايا الإشكالية في كل دولة عربية، ويُرسل إلى الجهات المعنية. وتلبس الفيلم مسوح «الأفلام الوثائقية»، وعمل المخرج على تقطيع ساعات التصوير ال70، من بينها 14 ساعة صورها بنفسه، ليختزلها في ساعة واحدة، وذكر الدمشقي ل «الحياة» أن «سبعة مصوري فيديو عملوا على تسجيل وقائع المؤتمر»، واشتغل وحده على إعادة «ترتيبه وإدخال المؤثرات، والموسيقى التصويرية»، التي «استعنت فيها برفاق في بولندا، بعد أن أرسلت لهم الفكرة، وأرسلوا لي مقاطع موسيقية تتناسب وسياق الفيلم»، وغلبت الموسيقى الغربية بسبب «عدم حصولي على موسيقى عربية تتناسب مع روح الفيلم»، ما عدا «مقدمة الفيلم وخاتمته اللتين جاءتا عربيتين». وتنوعت الموسيقى بحسب المتحدث وقوة كلماته أو ضعفها، وفيما تتصاعد مع الجمل الصارخة، تلتزم الهدوء مع الطرح المتفائل، ويوضح أن «الموسيقى اعتمدت على وقع الكلمات والتغير في نبرتها». ووضعت في أول ثلاث دقائق من الفيلم، مقتطفات من كلمات المتحدثين، يلاحظ فيها «سوداويتها» و «تحذيرها» و «جلدها للذات»، ويأتي في المقدمة أيضاً «فيديو كليب» بصحبة كلمات وموسيقى عربية «مملوءة بالأسى والترقب وشد الانتباه»، إضافة إلى أن «أجواء الحرية في الحديث وفّرت مساحة كبيرة لطرح القضايا من دون رقيب»، ويبرر لجوءه إلى حشد «الصدامات في المقدمة» ب «وقائع المؤتمر وما دار فيه من طرح قوي وبحث عن علاج للقضايا الراهنة والذي كان أشبه بالتصادم مع الواقع، كل ذلك فرض نفسه على تسلسل الفيلم ومقدمته»، إضافة إلى أنه «سيكون رسالة واضحة للمشاركين في مؤتمر فكر 8». ويطرح الفيلم في صيغته الوثائقية إشكالية أخرى بعيدة مما يحتويه تتمثل في «صناعة الأفلام الوثائقية»، التي يصف الدمشقي وضعها في السعودية ب «الميت»، موضحاً أن «صناعة الأفلام الوثائقية هي في أساس صناعة السينما، ولا يبدأ أي مخرج في العمل السينمائي من دون درس صناعة الأفلام الوثائقية»، معتبراً «ان صناعة التوثيق في السعودية لم ترتق إلى الحد المطلوب، وما ينتج ضعيف ولا يرقى إلى مستوى الحرفية»، مشيراً إلى أن «مشروع إمارة أبو ظبي في توثيق كل صغيرة وكبيرة في الإمارات يعد خطوة رائدة وسبّاقة والمملكة أولى بها». وعرض في العام الماضي على «الهيئة العليا للسياحة والآثار»، مشروع «الموسوعة الوثائقية للسياحة والآثار في السعودية»، يوثق فيها أهم المعالم السياحية والتراثية والطبية والدينية في المملكة، إلا أن «الهيئة لم تتفاعل مع هذا المشروع». بدأ الدمشقي خوض غمار صناعة الأفلام الوثائقية عام 2001، وأنتج أول فيلم في بولندا عن «روضة أطفال في قلب قرية كانت سابقاً كنيسة» إبان الحرب العالمية الثانية، ويصف فيها رحلة الحياة والموت، «كانت إلى جانب الكنيسة مقبرة، وظلت كما هي حتى بعد أن تحولت إلى روضة أطفال» بعد انتهاء الحرب، ويرصد فيها «فضول الأطفال في مشاهدتهم القبور»، وجاء الفيلم بعنوان «الرحلة»، وأنتجه عام 2003. وأنتج بخلاف فيلم «الرحلة»، 19 فيلماً قصيراً، من بينها «حالم طريق» الذي صوره في الهند، إضافة إلى أربعة أفلام طويلة، احدها «حجاب» عن الإبل وحياة أهل البادية في الربع الخالي. وفيلم «كبرياء... لمحة عن الصقارة العربية»، يوثق للصقور العربية، وفيلم «أين أنا» الذي صور مشاهده في أقدم مزرعة لتربية الخيول العربية في بولندا، وفيلم «قصة مؤتمر» الذي عمل منه نسختين، إحداهما لبثها في إحدى الفضائيات العربية أو خلال فعاليات «مؤتمر فكر 8»، والأخرى للمشاركة في مهرجان الخليج السينمائي المقبل. وأنجز في العام الحالي فيلماً وثائقياً ل «مركز أورام الأطفال» بعنوان «نحن نهتم» في مستشفى الملك فهد التخصصي في الدمام، وآخر لمركز الأمير سلطان للعلوم والتقنية (سايتك) بعنوان «الإنتاج المعرفي»، ويفكر في إنتاج فيلم وثائقي لمنظمة الطفل العربي، التي أسسها الأمير سعود بن عبدالله بن سعود، وتعنى بحقوق الطفل العربي. وآخر عن «جمعية سند الخيرية»، برئاسة الأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز، وآخر ل «جمعية البر الخيرية» في الدمام. ويسعى الدمشقي إلى تحقيق فيلم وثائقي طويل عن «الخيل العربي»، وهو الهاجس الذي يلازمه، ويصفه بأنه «لن يكون شبيهاً لما أنجز بعيون غربية، بل سيكون ذا طابع عربي أصيل، راق ومميز»، لتكون الانطلاقة من اسطبلات محليّة تعنى بتربية الخيول، مثل مزرعة «ديراب» - اسطبلات الملك عبدالعزيز آل سعود، أو مزرعة الخالدية، اللتين تحتضنان أفضل الخيول العربية على مستوى العالم، إضافة إلى الإسطبلات الخاصة في الامارات والبحرين وبريطانيا، موضحاً أن الشخصيات المختارة للفيلم هي من أهم الشخصيات العربية والعالمية، مثل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والأمير تشارلز والملك حمد آل خليفة والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وغيرهم. كما طرح أخيراً على رئيس «أرامكو السعودية» المهندس خالد الفالح فكرة توثيق مسيرة الشركة في عهد خادم الحرمين الشريفين، وما رافقها من تنمية اقتصادية وعلمية ومنجزات، كجامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا، ومركز الملك عبدالعزيز للإثراء المعرفي ووادي سيليكون الظهران، والرؤية الراهنة والمستقبلية في ظل إدارة رئيس الشركة الجديد.