على رغم وجود ما يزيد على 750 خيمة في مركز الإيواء في محافظة أحد المسارحة، إلا أن بعض الخيام (مساحتها 25 متراً مربعاً) تؤوي 15 فرداً أو أكثر. لكن مشكلة الازدحام لا تعد بالنسبة إلى بعضهم الأكبر إذ تعد «العودة» وتوقيتها هاجسهم الأشد أهمية، فهم لا يعرفون متى سيعودون إلى منازلهم وأراضيهم وماشيتهم التي تركوها وراءهم، ولا يعلمون عنها شيئاً، منذ أن سمعوا نداء «الإخلاء الإجباري». ترك هؤلاء بيوتهم وماشيتهم التي يعتمدون عليها في معاشهم، وهرولوا مسرعين هرباً من نار الحرب، لا يحملون سوى الملابس التي يرتدونها لتستقبلهم مخيمات الإيواء التي جهزتها الحكومة، وحاولت تأمين كل ما يحتاجون فيها. هاجس «العودة» مشترك بين النازحين كافة، غنيهم وفقيرهم، إلا أن بعض المشكلات تواجههم في المخيم، بدءاً من الاكتظاظ في الخيام، ومروراً بعدم تواؤم الخدمات الرئيسية مع عدد النازحين، ووصولاً إلى فقدانهم الاستقرار. جست «الحياة» نبض النازحين في مخيم أحد المسارحة، فوجدت شوقاً عظيماً للديار، وشكراً جزيلاً لحكومة خادم الحرمين الشريفين، وما وفرته من مأوى ومأكل ومعاش لهم، لكنها وجدت أيضاً معاناة المسنين والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة. يتمنى النازح مهدي علي (50 عاماً) أن يغمض عيناً ويفتحها، فيجد نفسه وأسرته في بيته، لكنه اعتبر أن الوضع في المخيم «جيد». يقول: «حكومة خادم الحرمين الشريفين لم تقصر معنا في شيء، لكن هناك بعض الأمور التي تنقصنا في المخيم، فلا غسالات ولا ثلاجات». ويعبر عن قلقه مما حلّ بأغنامه التي خلفها وراءه، هناك في منزله في قرية الجابرية، «كيف لا أقلق وهي مصدر رزقي الوحيد؟». ويروي ما حصل لهم: «بعد أن نودي بالإخلاء خرجنا بالملابس التي نرتديها فقط، ولم يسعفني الوقت لآخذ أغنامي، ولا أعلم عنها أي شيء الآن بعد مرور ما يقارب من الشهر، فلا يوجد من يرعاها او يهتم بها». في خيمة أخرى، يسكنها 15 فرداً، يقول المواطن سلطان هزازي: «بصراحة افتقدنا أموراً كثيرة في قريتنا، وأنا عاطل عن العمل، ولا نعلم شيئاً عن رزقنا من الأغنام». ويضيف: «تنقصنا أمور عدة في المخيم من أهمها غسالة الملابس، فالغسيل يتم في دورات المياه لعدم وجود غسالات وبطريقة تقليدية، إلى جانب الفراش والتلفاز وغيرها من الأمور الأخرى، خصوصاً أننا لا نعلم متى سنعود إلى بيوتنا». وفي زاوية بعيدة في المخيم، تحدث المواطن الطاعن في السن أحمد علي محرق (80 عاماً) بحسرة عما حصل لهم، يقول: «كنت أسكن في قرية أم القضب القريبة من الخوبة ولدي 7 أولاد وبنات وليس لدي أي عمل، ورزقي الوحيد على الله، ثم على 20 رأساً من الأغنام التي كلما تذكرتها أحزن كثيراً فلا أعرف أين هي الآن وماذا حلّ بها؟». وتابع: «خرجنا من المنزل بسرعة كبيرة بعد أن ابلغونا بضرورة الإخلاء ولم نأخذ معنا أي شيء، ولا أعرف ماذا حل بمنزلنا»، لكن الأهم بالنسبة إلى محرق «نصرة الجيش السعودي، فكلنا فداء لهذا الوطن الغالي»، مشيراً إلى أن الأمور في المخيم على خير ما يرام، ولا ينقصهم سوى غسالة ملابس وثلاجة. ويتحدث نازح آخر من قرية الجابرية المحاذية للشريط الحدودي بين السعودية واليمن عن منزله في القرية وأغنامه، يقول عبده شراحيلي الذي يرعى أغنامه: «أنتظر اللحظة التي أعود فيها إلى منزلي مع عائلتي، على رغم أن الأمور تسير بشكل جيد في المخيم، لكن المنزل يبقى شيئاً آخر والاستقرار، كما آمل أن أجد أغنامي التي تركتها في القرية». من جانبه، يوضح النازح من قرية الحنشل رمضان كليبي وهو موظف حكومي بمرتب ضئيل لا يكفيه مع عائلته المكونة من 9 أفراد أنه لا يملك السيارة التي توصله إلى العمل، ويذهب مع المارة لأنه لا يستطيع توفير أجرة المواصلات، مشيراً إلى أنه مع ذلك ينتظر اللحظة التي يعود فيها إلى قريته ومنزله والتقاء أهله وجيرانه، مؤكداً أن الأمور كافة في مخيم الإيواء تسير بشكل جيد. وقطعت النازحة ام أحمد حديث «الحياة» مع أحد النازحين، لتنقل معاناتها، تقول: «نحن 10 أفراد في خيمة واحدة وأكثر ما يؤلمنا في الوقت الراهن أننا لا نعلم أي شيء عن منازلنا، واستطعنا ان نحضر أغنامنا ولكن لا نجد من يطعمها هنا ووضعناها بعيداً عن المخيم فهي مصدر رزقنا الوحيد». وتضيف: «هنا في المخيم تنقصنا غسالة الملابس، تعبت من غسل الملابس بالطرق اليدوية، كما نحتاج إلى ثلاجة أيضاً إلى جانب الطبخ الذي افتقده كثيراً». ويسرد النازح عبدالصمد شراحيلي الذي بات من العاطلين عن العمل منذ اعتداء المسلحين على الأراضي السعودية ملاحظته على مخيم الإيواء، فيقول: «دورات المياه الخاصة بالرجال قليلة، ويوجد ازدحام شديد عليها، إلى جانب انه لا يوجد نظافة، والأبواب ليست محكمة الإغلاق». وفي زاوية أخرى من المخيم الذي يؤوي حالياً ما يزيد على 5 آلاف نازح، نزحوا من القرى الحدودية التي أخلتها السلطات السعودية كإجراء احترازي، قبل أن تحولها إلى منطقة عسكرية مغلقة، تحدث يوسف شبيلي من قرية الجابرية الذي كان يعمل راعياً لأغنامه التي ذهبت أدراج الرياح بحسب تعبيره، ليحمل همّ إعالة أسرته المكونة من 18 فرداً، مشيراً إلى أنه يحتاج إلى غسالة الملابس والثلاجة والفراش. ويعمل الغالبية العظمى من سكان القرى الحدودية التي أخليت في رعي الأغنام وتربيتها، إذ تعتبر مصدر رزقهم الوحيد تقريباً، وكانت السلطات السعودية أخلت 240 قرية حدودية نزح منها ما يزيد عن 14 ألف مواطن ومقيم.