احتل النقاش حول الإصلاحات السياسية، وخصوصاً في شأن إلغاء الطائفية السياسية، حيزاً مهماً من المشهد السياسي اللبناني لا سيما على لسان الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله لمناسبة إعلانه الوثيقة السياسية للمؤتمر السابع للحزب، وفي مواقف صدرت عن رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، في موازاة ترقب موعد عقد مجلس الوزراء لإقرار الصيغة النهائية للبيان الوزاري فور عودة رئيس الحكومة سعد الحريري من زيارته السعودية، في وقت أعلن الوزراء المسيحيون (7 وزراء) الممثلون للموالاة في الحكومة مطالبتهم بتفسير اكثر وضوحاً للبند المتعلق بالمقاومة في البيان الوزاري بعد ان كان بعضهم تحفّظ عن عدم تضمينه وجوب ان يكون قرار الحرب والسلم بيد الدولة اللبنانية. وأعلن السيد نصر الله في مؤتمر صحافي عقده بعد ظهر أمس، تلا خلاله رؤية الحزب للمرحلة المقبلة على الصعد الدولية والعربية واللبنانية والقضية الفلسطينية وعلاقات لبنان العربية والدولية، ان قيام النظام اللبناني على أسس طائفية «يشكل عائقاً قوياً أمام تحقيق ديموقراطية صحيحة يمكن على ضوئها ان تحكم الأكثرية المنتخبة وتعارض الأقلية المنتخبة»، معتبراً ان «الشرط الأساس لتطبيق ديموقراطية من هذا النوع هو إلغاء الطائفية السياسية». وأكدت وثيقة الحزب انه «الى ان يتمكن اللبنانيون من تحقيق إلغاء الطائفية السياسية فإن الديموقراطية التوافقية تبقى القاعدة الأساس للحكم في لبنان لأنها التجسيد الفعلي لروح الدستور ولجوهر ميثاق العيش المشترك». وشددت الوثيقة على ان الديموقراطية التوافقية «تشكل صيغة سياسية ملائمة لمشاركة حقيقية من قبل الجميع». وأفردت الوثيقة التي تقع في 31 صفحة، مساحة واسعة لعنوان «الهيمنة الأميركية» على صعيد العالم والمنطقة ولدور المقاومة و «حزب الله» في مقاومتها ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي، مشيرة الى «المأزق الأميركي وتراجع هيمنة القطب الواحد لمصلحة تعددية لم تستقر ملامحها بعد». وتحدثت عن المقاومة باعتبارها «راكمت حقبات تطور مشروعها، من قوة تحرير الى قوة توازن ومواجهة ومن ثم الى قوة ردع ودفاع». واعتبر «حزب الله» في وثيقته ان «جبهة مواجهة الخطر الأميركي يجب ان تكون عالمية...»، وبعدما أشار الى إنجازات المقاومة وتحرير لبنان من الاحتلال العام 2000 والانتصار التاريخي في حرب تموز (يوليو) العام 2006، رأى ان التهديد الإسرائيلي «يفرض على لبنان تكريس صيغة دفاعية تقوم على المزاوجة بين وجود مقاومة شعبية تساهم في الدفاع عن الوطن في وجه أي جيش إسرائيلي، وجيش وطني يحمي الوطن في عملية تكامل أثبتت المرحلة الأمنية نجاحها في إدارة الصراع مع العدو». ودعا إلى وضع هذه الصيغة «من ضمن استراتيجية دفاعية كمظلة حماية للبنان بعد فشل الرهانات على المظلات الأخرى». وشددت الوثيقة على إعطاء الفلسطينيين في لبنان حقوقهم المدنية والاجتماعية، وأكدت ان الحزب «لا يجد غضاضة في تعميم الاستفادة من خيار المقاومة بحيث يطال مختلف المواقع العربية»، ودعت الى إنهاء كل الأجواء السلبية التي شابت علاقات لبنان وسورية في السنوات القليلة الماضية والعودة بها الى وضعها الطبيعي في أسرع وقت. ولاحظت ان «التوترات المذهبية المفتعلة في العالم العربي وعلى الأخص بين السنّة والشيعة تهدد تماسك مجتمعاتنا». ورأى «حزب الله» ان «إيران الإسلام دولة مركزية مهمة في العالم الإسلامي، واختلاق التناقض معها يمثل طعناً للذات والقضايا العربية». وأكد دعم المقاومة في فلسطين وما حققته من إنجازات وسأل: «إذا كانت هذه جدوى «الإنجازات» المقاومة في لبنان وفلسطين، فماذا كانت جدوى الحل التفاوضي؟». وذكّر برفضه «المطلق لأصل ومبدأ خيار التسوية مع الكيان الصهيوني». وفي رده على الأسئلة أقر نصر الله بأن إلغاء الطائفية السياسية «من أصعب الأمور»، لكنه اعتبر ان طرح رئيس البرلمان نبيه بري تشكيل الهيئة العليا لإلغاء الطائفية السياسية «لا يعني إلغاءها فوراً»، وأن «لا أحد يلغيها وحده»، معتبراً ان تشكيل الهيئة العليا هو الخطوة الطبيعية وأن الحوار حول إلغاء الطائفية قد يأخذ سنوات. وأوضح انه يتفهم الخلاف اللبناني حول المقاومة، مذكراً بأنه «لا توجد مقاومة في التاريخ حظيت بالإجماع»، ودعا الى التعاون في الحكومة الجديدة «على ما نحن متفقون عليه ونستمر في الحوار على ما نحن مختلفون عليه». وأكد نصر الله ان لا تناقض بين «مشاركة الحزب في بناء مؤسسات الدولة وبين إيماننا بولاية الفقيه»، معتبراً ان هذا الإيمان «عقائدي وديني وليس سياسياً خاضعاً للمراجعة». وأشار الى انه «من المبكر الجزم في حصول تحالفات جديدة بفعل قيام الحكومة الجديدة والتلاقي في بعض المواقف»، وإلى أن «الاختلافات يمكن ان تبقى خارج الحكومة لكن داخلها يمكن ان تختلف الآراء بحسب الموضوع وقد نشهد تصويتاً من فرقاء في المعارضة والموالاة معاً مقابل تصويت مختلف من فرقاء في المعارضة والموالاة معاً». وكان النائب جنبلاط أطلق موقفاً جديداً حيال الإصلاحات السياسية في مقاله الأسبوعي في جريدته الحزبية امس سأل فيه: «ما الذي يمنع تطبيق المداورة في الرئاسات (رئاسات الجمهورية والبرلمان والحكومة)؟». وإذ حمل جنبلاط على الواقع الطائفي وخطورته في لبنان، ذكّر «بضرورة إنشاء مجلس الشيوخ الذي يتيح التمثيل العادل والمتوازن للطوائف». لكنه رأى ان «التلازم بين إلغاء الطائفية السياسية وتطبيق النسبية في قانون الانتخاب، شرط ضروري». اما على صعيد اجتماع الوزراء المسيحيين السبعة في الموالاة، فقد أعلن الوزير ميشال فرعون إثر انتهائه، الدعم الكبير للرئيس الحريري في مسؤولياته، التي تتطلب انطلاقة حكومية بحد أدنى من التضامن، لكنه اشار الى ان «هناك ازمة ثقة حول مواضيع مختلفة وخصوصاً السلاح». وناقش الوزراء السبعة تحفظات بعضهم عن النص المتعلق بالمقاومة في البيان الوزاري. وإذ قال فرعون ان القرار في شأن التحفظ عن هذا النص سيعلن في حينه، أوضح وزير العمل بطرس حرب أن «خيارنا ألا نقبل بما برز في البيان وهو متعارض مع ما نقتنع به وأن نتعاون في الوقت ذاته في إطار الجو الإيجابي المشترك في مجلس الوزراء». وأعلن المكتب السياسي لحزب الكتائب بعد اجتماعه الأسبوعي مساء أمس برئاسة الرئيس أمين الجميل ان الحزب على موقفه الرافض للمساواة بين سلاح الجيش اللبناني وسلاح «حزب الله» وتقاسم السيادة على أرض الوطن وهذا يتناقض مع مصلحة لبنان العليا والتزاماته الدولية ولا سيما قرارات مجلس الأمن. كما دعا المكتب السياسي الكتائبي الى الحفاظ على مبادئ ثورة الأرز وأهدافها. ودعا الى معالجة العلل في النظام وإعادة التوازن في بعض السلطات الدستورية لا سيما صلاحيات رئيس الجمهورية. لكنه شدد على دعم الحكومة.