مُخادع ومُراوغ وجشع. يسير على الحافة الرفيعة بين عالمي الإجرام والقانون. يحمل بعض الطيبة أيضاً ولم يتجرد تماماً (بسبب جبنه ربما) من إنسانيته وما يحول بينه وبين وداع نهائي لحياته السابقة العادية. هذا هو «سول غوودمان»، المُحامي الذي ظهر في المسلسل الأميركي الشهير «بريكينغ باد»، وحصل بعدها على مسلسل خاص لوحده بعنوان «الأفضل الاتصال بسول»، والذي يعرض موسمه الأول حالياً على قناة «أي أم سي» الأميركية، الشاشة الأصلية المنتجة للمسلسل الأول، وأيضاً على خدمة شركة «نيتفلكس» للمُشاهدة عبر الإنترنت. ربما لم يحظ عمل تلفزيوني غربي في السنوات العشر الأخيرة بترقب إعلامي وجماهيري كالذي سبق عرض هذا المُسلسل الجديد، والذي يعود في معظمه، لكونه يأتي من الجهة الإنتاجية وفريق المؤلفين الذين كانوا وراء المسلسل الظاهرة «بريكينغ باد»، كما يقدم واحدة من شخصيات المسلسل ذاك، والتي وإن لم تكن أساسية في العمل الأصلي، إلا إنها كانت تحمل من الإثارة والكوميديا، ما جعلها تتحول إلى واحدة من الشخصيات المُحبوبة في العمل، إلى درجة أن صانعي هذا الأخير، قرروا إنها تستحق مُسلسلاً خاصاً. يبدأ المسلسل الجديد أحداثه، من زمن يسبق ذلك الذي بدأت فيه أحداث المسلسل الأصلي. هذا من شأنه أن ينزع بعضاً من الغموض لما ستؤول إليه الشخصية، فالذين شاهدوا مسلسل «بريكينغ باد»، يعرفون أن «سول غوودمان»، سينتهي ليكون محامياً للمجرمين. وعلى رغم ذلك يراهن المسلسل الجديد على التفاصيل الصغيرة، والمناخ العام الذي يشيده حول شخصياته، والعنف المُفصل الذي يقدمه. ما زال سول غوودمان وبعد أربع حلقات من المسلسل، غاطس في وحل حياته المُحبطة. هو محامي تخطى عُمر الشباب لكنه لم يحقق أياً من طموحاته. يعيش مع أخيه، المحامي النزيه والذي يعاني من مرضٍ نفسي ما، فيما يقوم بين الحين والآخر بحيل تتضمن كثيراً من الكوميديا لسرقة أموال من غرباء. تتضمن الحلقات الأولى على بعض الإشارات التي ستكون مفصلية لتحديد ملامح الشخصية الرئيسية، كتوقه الشديد للنجاح، في حين تغيب وحتى الساعة أي حياة عاطفية له، والتي لم تظهر أيضاً في مسلسل «بريكينغ باد». يُواصل «الأفضل الاتصال بسول»، تقدم المناخات النفسيّة والفنيّة التي تميز بها المسلسل الأصلي. وبخاصة المشهديات الخاصة، وهي مزيج من التصوير في المواقع الطبيعية، وتجريب شكليّ على علاقة الشخصيات بالأمكنة العامة، بنحو لم تألفه دراما التلفزيون من قبل. فالمسلسل يقدم العديد من المشاهد الواسعة البعيدة، التي يندرج بعضها تحت فئات السينما الفنيّة المتطلعة للخروج من أسر الأمكنة التقليدية، وكجزء من سعيها لمقاربات مُبتكرة للأحداث التي يتضمنها العمل. ما ينجح به المسلسل الجديد، هو خلق مناخ وعالم خاصيين لأحداثه، ليس فقط عبر القصة والشخصيات، ولكن أيضاً عن طريق المُعالجات الفنيّة والتصوير وأشرطة الصوت المُصاحبة. هذا العالم، وكما أثبت المُسلسل الأصلي، جدير بشد انتباه جمهور كبير، أصبح متطلباً كثيراً، يريد من العمل الفنيّ أن يكون تجربة تقترب من الحسيّة. كما يواصل المسلسل تركيزه على التنوع الإثني للحياة الأميركية، بخاصة في بعض مدن الولاياتالمتحدة، وإن كان يُبالغ وإلى حدود التنميط أحياناً بتقديم عنف الأميركيين من الأصول اللاتينية، الذين يشكلون مُعظم أعضاء العصابات الشرسة في المسلسل. وعلى رغم إن التجارب السابقة، عن مُسلسلات تُولد من رحم نجاحات سابقة، لم تكن موفقة أبداً، إلا إن الموسم الأول من «الأفضل الاتصال بسول»، يحمل حتى الآن، الكثير من العناصر التي ستجعله أحد النجاحات الجديدة للقناة التلفزيونية (أعلن أخيراً عن موسم ثان من المسلسل). فهناك طبقات من الشخصية الرئيسية لم تُكتَشف بعد، إضافة إلى الإثارة التي يحملها التخمين بوجهة المسلسل بعد أن تنتهي حقبة الأحداث التي عاصرتها الشخصية في مُسلسل «بريكينغ باد»، والتي سيصل إليها المسلسل في أجزائه المقبلة.