ربما كان إضراب كتاب التلفزيون والسينما في الولاياتالمتحدة بين تشرين الثاني (نوفمبر) 2007 وشباط (فبراير) 2008، والذي نُظم للمطالبة بتحسين الأجور وظروف العمل، المناسبة الأولى التي انتبه فيها الجمهور الواسع لدور كتاب التلفزيون في ما يرونه على شاشاتهم. عطّل الإضراب آنذاك - وهو حظي باهتمام إعلامي يعد سابقة - العمل في معظم المسلسلات والبرامج الكوميدية الليلية في قنوات البلد الذي يعد أكبر منتج للبرامج التلفزيونية في العالم. كأن الجمهور أدرك فجأة أن هناك أشخاصاً حقيقيين يقفون خلف كل الأعمال التلفزيونية التي يقبل عليها مساء، ولهم أسماء وجمعيات ومطالب، وغيابهم يعني توقف عجلة التلفزيون. اهتمام المشاهد الفضولي بكتّاب التلفزيون، بدأ قبل ذلك الإضراب، بالتحديد مع السنوات الأولى من هذه الألفية، عندما بدأت مسلسلات التلفزيون الأميركية الفنيّة بالظهور وجذب الانتباه في أميركا وحول العالم، ولتتحول ظاهرة، تقترب من النموذج الذي تقدمه سينما المؤلف في أوروبا والعالم، أو ما يطلق عليه السينما المستقلة في الولاياتالمتحدة، عندما يكون العمل الفنيّ مزيجاً مُتفرداً لخيالات المخرج والمؤلف، ولا يخضع، إلا بحدود ضيقة، لاعتبارات تسويقية تجارية. هذا الاهتمام الشعبي المتصاعد بما يجري في مطبخ التلفزيون، والذي يظهر واضحاً في صفحات أعمال تلفزيونية معينة على مواقع التواصل الاجتماعي، (جذب بعضها ملايين الأعضاء)، دفع قناة «صندانس» التلفزيونية الأميركية الجادة لإنتاج أول برنامج عن كُتّاب التلفزيون بعنوان «غرفة الكاتب» من تقديم الكاتب الأميركي جيم راش. وتخصص كل من حلقات البرنامج لمسلسل تلفزيوني يُعرض على الشاشات، ليناقشه، من زاوية الكتابة، وكيف تطوّرت هذه الأعمال الفنية، من أفكار ومشاريع صغيرة لأصحابها، إلى نجاحات عالمية، صار بعضها مقروناً بالعصر الذي نعيشه. الحلقة الأولى من البرنامج، خُصصت لمسلسل «بريكينغ باد» الذي يُعرض موسمه الأخير حالياً. هذه البداية مقصودة، إذ يمكن ومن دون مبالغة، وصف هذا المسلسل الأميركي بأنه من أكثر المسلسلات نجاحاً في العالم في الوقت الحاضر. من هنا التقى برنامج «غرفة الكاتب» المؤلف الأصلي للمسلسل فينس جيليجان، مع فريقه من المساعدين، إضافة إلى نجم العمل، الممثل بريان كرانستون. وكشف المؤلف أن قصة مدرس الكيمياء الذي دفعه العوز للتحول إلى منتج للمخدرات، وصلت إلى شاشتنا بالصدفة، فالمشروع رفضته القنوات التلفزيونية الأميركية الضخمة، قبل أن يصل إلى قناة «أي أم سي» الصغيرة التي تبث عبر الكايبل الأميركي. كما إن المؤلف لم يخطط أبداً لسير أحداث الأجزاء التي تلت الجزء الأول، وهو مُدين لفريق الكُتّاب في هذا العمل، وتفاعلهم الفريد مع القصة، لكي تتطور بالشكل الذي شاهدناه. تتنوع اتجاهات المسلسلات التي يتناولها برنامج «غرفة الكاتب»، من الكوميديا (مسلسل «الفتاة الجديدة»)، إلى الرعب (مسلسل «قصة رعب أميركية»). كما تتفاوت مستويات حلقات البرنامج، فهو يبدو أحياناً وكأنه يتجه إلى «قبيلة» المعجبين لبعض المسلسلات، بكشف بعض خفايا العمل وتفاصيل الكواليس، بدل المعالجة الواسعة لمفهوم الكتابة في مسلسلات الأجزاء، وتأثير اشتراك مؤلفين في كتابة الحلقات، ودور المؤلف الأصلي. يتحسن مستوى البرنامج في حلقات المسلسلات الكوميدية، فهذه لا تخضع لتغييرات كبيرة في أحداثها، عدا المحافظة على روح وملامح الشخصيات الأساسية فيها، لذلك ركز النقاش كثيراً على كيفية الإبقاء على كوميديا هذه الشخصيات، كما وفر بعض الحلقات الأخرى من البرنامج نافذة مهمة على ما يجري في غرف الكُتّاب، والتفاعل بين الممثلين والكُتّاب والمخرجين والجمهور، إذ أصبح بالإمكان، ومنذ سنوات، تتبع ردود فعل هذا الأخير عبر صفحات خاصة على شبكة الإنترنت. يُركز البرنامج على أهمية هذا التفاعل، وأخطار أن يؤثر في نَفس المؤلف الأصلي في المسلسل، والذي من دونه ستفقد هذه الأعمال كثيراً من تميزها وفرادتها.