يخطط علي لحزم حقائبه مع نهاية العام الدراسي الحالي، متوجهاً إلى أميركا أو إحدى الدول الأوروبية، كطالب مُبتعث ستتكفل وزارة التعليم العالي، من خلال برنامج «خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي»، بنفقات دراسته ومسكنه ومأكله ومشربه طوال أعوام دراسته. بيد أن ابن خالته باسم سيحزم حقائبه هو الآخر، ولكن إلى مصر، ليؤدي الخدمة العسكرية، بعد أن أكمل ال18 من عمره. قد يظن البعض ما سلف «أحجية»، لكنها ليست كذلك، فببساطة: علي من أبوين سعوديين، فيما باسم من أم سعودية، ولكن والده مصري. وهو ما سيغيّر مسار حياته بشكل مختلف عن ابن خالته الذي ولد بعده بنحو شهر قبل 17 عاماً وبضعة أشهر. وبطبيعة الحال لا يمكن أن يقارن وضع باسم (كابن سعودية من أب أجنبي)، من ناحية الحقوق التي حصل عليها، بما كان عليه الوضع قبل أعوام قليلة، وتحديداً قبل عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي أصدر حزمة قرارات، منحت حقوقاً لأبناء السعوديات المتزوجات من أجانب. فيما يعتبر الكثير من السعوديات المتزوجات من أجانب أن النظام «لا يزال قاصراً عن تفهم أوضاعنا، ولم ينصفنا كمواطنات في المقام الأول. لمجرد كوننا نساء، ما يجعل العبء علينا مضاعفاً». وفي المقام الثاني «كلمات الشماتة التي نسمعها من البعض. وكأنّ ما يجري لنا عقوبة لإقدامنا على الزواج من أجانب». تلك النظرة، وإن خفت حدتها لا تنفك تظهر مع «فلتات اللسان». وتبحث غالبية المتزوجات من أجانب عن «استقرار أسري»، يبعد عنهن «شبح الشتات»، الذي - بحسب قولهن - «يفترض أن يكفله النظام لنا، ليخفف معاناتنا». وبلغ عدد السعوديات المتزوجات من غير سعوديين في العام 2013 أكثر من 700 ألف امرأة، يمثلن نحو 10 في المئة من تعداد السعوديات. وأصدرت وزارة العدل في العام 2012 تقريراً أشار إلى «ازدياد نسبة زواج السعوديات من أجانب، وانتشار ذلك في المجتمع». وكشف التقرير أن «13.117 سعودية تزوجن من أجانب في العام 2012، بزيادة عن العام السابق بلغت 8553 حالة، في مقابل زواج 2583 مواطناً من أجنبيات في العام نفسه». وتصف روان، التي تزوجت من أجنبي في العام 2008، حياتها ب «الدوامة». وتتجسد معاناتها في «عبور الحدود لتجديد التأشيرة بعد انتهائها». وكثيراً ما تتخيل نفسها «تائهة بين الحدود»، تتوسط «خيمة في الصحراء لا هي لهذا البلد، ولا إلى ذاك». وتقول روان: «لا أستطيع أن أحصي عدد المرات التي سافرت خلالها، من السعودية إلى دبي كأقرب دولة، وذلك لتجديد تأشيرة سياحية لزوجي، بمسمى زوج المواطنة السعودية، وابن المواطنة السعودية». وخلال فترة حملها، وفي أواخر الشهر الثامن، كان لزاماً عليها أن تسافر إلى دبي ولو ليوم واحد، مضيفة: «كان صعودي إلى الطائرة أمراً مستحيلاً بسبب الحمل، فلم يكن أمامي خيار إلا الذهاب عبر المنفذ البري، ومنه إلى السفارة، وصادف حينها موسم الحج، وفي هذا الوقت تحديداً لا يتم تجديد التأشيرة». ولم تكن معاناة روان في صعوبة استخراج التأشيرة، التي تجدد ثلاث مرات فقط، بحسب مدتها، إذ حاربت لتسجيل ابنها في رياض الأطفال. وقالت: «عانيت في البحث عن روضة أطفال تقبل تسجيل طفلي من دون إقامة، فكانوا يؤكدون ضرورة إحضار إقامته قبيل تخرجه». وتصف وضعها ب «المضحك المبكي»، مشيرة إلى مسألة الولاية: «قبل وفاة والدي كان وليي، والآن أنا متزوجة، ولكن ولايتي تعود إلى شقيقي، وأيضاً استخراج تصريح السفر ينهيه شقيقي، وليس زوجي. ولكي يقوم بكل ذلك عليه أن يدخل رقم الإقامة في النظام، وبعد زواجي تسلمت عقد الزواج، وكُتب في الهامش «لا بد من مراجعة الأحوال المدنية لنقل اسمي إلى سجل زوجي». وحين توجهت إلى الأحوال المدنية، قال الموظف: لا يمكن نقلك من دون رقم إقامة الزوج». معاناة روان تتكرر مع 700 ألف سعودية تزوجن من أجانب، واعتبرن القرارات التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين لمصلحتهن، وتخفف من معاناتهن. «إلا أن النظام - بحسب تعبيرهن – لا يزال لا يستوعب وضعنا وما يمر علينا، ولا يعتبرنا مواطنات». وأكدن أن «بعض الدول تمنح الطفل الجنسية بمجرد الولادة على أرضها، ونحن لا نتمكن من ذلك». وفي الأعوام الأخيرة، بات بإمكان ابن السعودية أن يدرس في الجامعات والمدارس الحكومية، إلا أنه لا يحق له الابتعاث على حساب الدولة. وله الحق في الحصول على عمل، ويعامل معاملة السعودي في احتساب نسب السعودة، ولكنه في النهاية ليس مواطناً أسوة بمن والدته أجنبية ووالده سعودي، وله حق الحصول على إعانة «حافز»، ولكن ليس من حقه نيل الجنسية، والإقامة عليها ما عليها من «الإشكالات والمراجعات». ومن بين المشكلات أن نظام الكفالة الجديد يمكّن الأم من كفالة ابنها بمسمى «ابن وبنت وزوج مواطنة». وفي حال وفاة الأم يبحث الأبناء عن «كفيل»، وتتحمل الأم حرمانها من «إعانة الضمان الاجتماعي بسبب كفالة أبنائها». ويواجه أبناء المرأة السعودية المتزوجة من أجنبي تسمية وزارة العمل لأبناء المواطنة «وافد خاص». كما لا تتمكن المرأة من توكيل ابنها للقيام بأعمالها، لأنه، وإن كان ابنها، فهو «أجنبي». وفي حال وفاة الأم، فإنه لا يتم توريث أبنائها ما تملك من عقارات، ليتم تسليمها إلى الجهات المختصة، لعرضها في المزاد العلني وبيعها، ومن ثم تسليم المبلغ إلى الورثة، بعد أخذ نسبة معينة من قيمة البيع. وأشارت سعوديات متزوجات من أجانب إلى أن سبب هذه العوائق «الخوف من استغلال المرأة السعودية». إلا أن ذلك «لا يشكل حجة قاطعة وسبباً مقنعاً، وبالإمكان تشريع قوانين تحفظ حق السعودية المتزوجة من أجنبي».