ما عاد المثل الشائع «كول على ذوقك والبس على ذوق الناس» شائعاً كما في السابق بين الشباب السوريين، خصوصاً الذين غادروا مدنهم وقراهم وبيئتهم العائلية والاجتماعية الأولى إلى بلدان الهجرة واللجوء. فقد كسر كثيرون القيد الذي يفرض عليهم نمطاً واحداً في اللباس وتصفيف الشعر وأطلقوا العنان لخياراتهم الشخصية التي تجاري الموضة أو تعكس موقفاً وميلاً سياسياً. هكذا مثلاً، تتراوح الخيارات من انتشار الشعر الطويل والمظهر المهمل بين الشبان إلى ترك اللحى وحف الشوارب، وصولاً إلى ال «بيرسينغ» والأوشام، حتى بين الفتيات. ناجي حمشر شاب سوري يعمل في المجال الموسيقي، طويل الشعر ويحمل وشماً على شكل نوتة موسيقية على رقبته، يرتدي غالباً بنطالاً فضفاضاً يكاد يشبه السروال الذي درج أجداده على ارتدائه، يعلوه قميص واسع أيضاً يصل إلى ما فوق الركبة بقليل. يعتبر حمشر أن هذا المظهر هو خير ما يعبر عن شخصيته بالإضافة إلى كونه مريحاً في حركته اليومية. ويشير إلى أن انتقاله للعيش في لبنان هرباً من أداء الخدمة العسكرية الإلزامية في بلده سورية له دور أساسي في هذا التغير الذي شهده مظهره. ويقول: «من غير الممكن أن أخضع لهذا التحول لو كنت لا أزال مقيماً في بيت أهلي في سورية»، فوالده المحافظ اجتماعياً ودينياً ما كان ليقبل أن يظهر ولده البكر على هذه الصورة على رغم أنه تجاوز الخامسة والعشرين من العمر وأصبح «بالغاً وراشداً» كما يقول. ولا يخفي إعجابه بال «بيرسينغ» إلا أنه لا يزال متردداً في اعتماده خوفاً من بعض المضاعفات الصحية التي سمع عنها. وتقول يارا صديقة حمشر إن فكرة وضع ال «بيرسينغ» راودتها طويلاً بعدما شاهدت بعض الفنانين يضعونه، لكن تحقيق فكرتها لم يتم إلا بعد أشهر من وصولها إلى بيروت. وكحال صديقها، تؤكد يارا أن بعدها عن أهلها ومجتمعها كان عاملاً مؤثراً ومساعداً في قرارها هذا، وهي ترى أن نتائجه جميلة وعصرية وتساهم في التعبير عن شخصيتها وجعلها محطاً للأنظار ولفت الانتباه إليها. وتعتبر يارا أنها ترفض رسم وشم على جسدها يرافقها مدى الحياة، «فالإنسان يتغير»، وربما زال إعجابها غداً بوشم أحبته بالأمس. شابة سورية فضلت عدم ذكر اسمها، لا تنفي تأثرها بنمط اللباس النسائي الذي شهدته في لبنان الذي انتقلت إليه بعد أن دمر منزلها في حمص، مؤكدة أن زيها الحالي «أكثر تحرراً» مما كانت ترتديه من قبل وإن كان أيضاً «محتشماً ولا يخالف الدين». فهي باقية على التزامها بارتداء الحجاب لكنها تخلت عن المعطف الداكن الطويل وباتت تخرج من منزلها ببنطال فضفاض ملون، وقميص أو كنزة بأكمام طويلة، مبقية المعطف لأيام البرد و «لضرورة عملية لا دينية» على حد تعبيرها. ولا تنفي أنها تلقت انتقادات كثيرة من أقاربها وخصوصاً جارتها السورية، لكنها مطمئنة إلى ما فعلته «لأن ضميرها مرتاح وزوجها يقف إلى جانبها في هذا القرار». وكان للتوتر الأمني الذي يشهده لبنان بفعل الأحداث في سورية دور في التأثير على مظهر الشباب السوريين المتدينين. فأسامة مثلاً، القادم من ريف إدلب في شمال سورية بدأ مسيرة الالتزام الديني وما يترتب عنها من سلوك ومظهر بعد وصوله إلى لبنان «لاعتبارات متعلقة بما يجري في بلده» كما يقول، فقام بتطويل لحيته وحف شواربه واعتزل الجينز، واستبدل به بنطلوناً قطنياً من لون داكن عادة، كما أنه أحجم عن ارتداء السروال الرياضي القصير «شورت» في الصيف، معتمداً واحداً يغطي الركبة حصراً خلال ممارسته كرة القدم. لكن لم تمر فترة على هذا التحول، حتى عاد أسامة مضطراً إلى تقصير لحيته وترك شاربه من دون حف، لأنه صار «هدفاً سهلاً للتحقيق والاستجواب عند كل حاجز أمني أو عسكري في بيروت». طوني الحلبي، كما يحب أن يطلق على نفسه، شاب سوري مسيحي يحب اللحية ويعتبر أنها تحسن من مظهره وتريحه من هم الحلاقة اليومية وحساسية البشرة. لكن ذلك لم يكن متاحاً له في مدينته حلب بسبب تحفظ أبيه الذي يربط اللحية بالمنتمين إلى حركة الإخوان المسلمين، بسبب الأحداث العنيفة التي شهدتها المدينة في ثمانينات القرن الماضي. ويشرح الحلبي في معرض تفسيره لتحفظ أبيه أنه عايش تلك الفترة وعرف القمع الذي طال أصحاب اللحى، لكن الابن اليوم فخور بلحيته التي باتت موضة شائعة. فهو لا يقلق في شأن الاشتباه به على الحواجز الأمنية في بيروت راوياً كيف أن العناصر التي تقف على الحواجز لا تلتفت إليه بعد أن تدقق في هويته وأوراق إقامته. لكنه يخشى في المقابل رد فعل بعض المناوئين للثورة السورية إذا ما لاحظوا وشم كلمة «حرية» على ساعده الذي سارع إلى رسمه فور وصوله إلى لبنان تعبيراً منه عن رأيه و»موقفه الإنساني والسياسي»، وهو ما يصفه اليوم بالقرار المتسرع.