في خضم المعركة التي يخوضها رجال الحسم، تظهر المواقف البطولية، لكن في المقابل ينبري أولئك الذين لم تسمح لهم ظروفهم بالمشاركة في شرف الدفاع عن «السيادة»، ليقوموا بأعمال إنسانية، تعطي دلالة واضحة على لحمة أبناء الوطن ومدى الانسجام في تكوينه وفي نسيجيه الاجتماعي والنفسي. سجّل مخيم الإيواء في أحد المسارحة في منطقة جازان مثالاً ملحمياً تمثل ب«الحب والعطاء»، عندما انبرى مجموعة من الشباب السعودي لنشر روح الألفة والترفيه داخل تلك المخيمات، من خلال النشاطات الثقافية والرياضية والاجتماعية التي حملت في مضمونها تكريساً للمواطنة الحقيقية والمصير المشترك ووحدة الصف، باحتواء الأسر النازحة وتهيئة إقامتهم، وهو ما أظهر بشكل جلي سجية وأصالة وعراقة أبناء منطقة جازان، والكرم الذي تتمتع به مساحاتهم الروحية ونقاء سريرتهم. هناك في مخيم أحد المسارحة تلاقت الأيادي والقلوب، وهتفت الحناجر بالدعاء لله بأن يقي الوطن ومقدراته من كيد الأعداء ومن براثن الغدر، «الحياة» توجهت بالسؤال لعميد شؤون الطلاب في جامعة جازان الدكتور حسن الحازمي عن فريق «الجوالة»، وما يقدمه من خدمات للنازحين، فقال: «اعتاد فريق الجوالة كل عام على المشاركة في مناسبات عدة، أبرزها موسم الحج، لكن ما حدث أخيراً من مواجهات مع فئات التسلل أعطى هذا الفريق فرصة المبادرة والمساهمة في مشاركة القطاعات الأخرى بتقديم الدعم والعون للنازحين داخل مخيم الإيواء فكان أن أسهم الفريق بنصب ألف خيمة، إلى جانب بعض الجهات مثل الدفاع المدني». وأضاف: «ساعد أفراد الجوالة بتوزيع البطانيات والمواد الغذائية ومساندة كبار السن بالتناوب بين أعضاء الفريق الذي لا يتجاوز عدده 35 طالباً، فقام الفريق بنصب خيمته الخاصة والوجود على مدار الساعة. وأوضح الحازمي أن التعاون بين الفريق والجهات الحكومية والأمنية كبير، ويجد ترحيباً من تلك الجهات، مشيراً إلى أن الفريق قدّم برامج تسلية للنازحين وأطفالهم، وهيأ بعض الملاعب الرياضية والألعاب الخفيفة والعروض المسرحية والمشاهد الفكاهية. وكان طلاب كلية الطب في جامعة جازان زاروا المخيم، وشاركوا في عمليات نقل الدم والكشف عن المصابين والمرضى داخل المخيمات. من جهته، اعتبر استشاري الطب النفسي الدكتور محمد الحامد أن تقارب المواطنين في مخيم واحد وتحت ظرف واحد، له انعكاسات نفسية جيدة قطعاً على المواطنة بصورة عامة، معتبراً أن هذا الظرف عادة ما يؤكد على التلاحم الوطني، وتتجلى خلاله صور الوحدة الوطنية عبر المشاركة الوجدانية ومعايشة المكان الواحد. وقال إن الإسهامات التي تقدم لمصلحة النازحين داخل مخيمات الإيواء ومحاولة الوقوف إلى جانب هؤلاء الذين تركوا منازلهم، وتقديم المساندة والدعم لهم يخفف كثيراً من وطأة ما حدث لهم، كما يسهم بشكل مباشر في تحسين الحال النفسية لديهم ويمكنهم من الصمود. بدوره، أشار الاختصاصي الاجتماعي خالد نوار إلى أن المجتمع السعودي سجل في أوقات عدة مواقف تضاف إلى سجله في أوقات الحرب، بدءاً بحالات التطوع في صفوف الجيش إبان حرب الخليج 1990، ومروراً بدور الجمعيات والهيئات في ما يتعلق بالتوعية، وصولاً إلى دور المواطن المباشر في خدمة الآخرين من أبناء وطنه. ورأى أن ما يحدث على الحدود مع اليمن من استنفار على مستوى الأهالي ومخيمات الإيواء يمثل صورة إنسانية مشرّفة تعكس واقع الوطن والمواطن السعودي في شتى الظروف.