النائب العام المصري المستشار عبدالسيد محمود أصدر في الثامن من هذا الشهر بياناً اتهم فيه حزب الله بتحريض الشعب والجيش المصري للخروج على النظام، وبالتخطيط لهجمات داخل مصر، والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله رد في خطاب له في 11 الجاري نافياً التهم كلها، وقد مضى أسبوع الآن ولا تزال التعليقات والتحليلات والشروح تتوالى، وبينها الغث والسمين والقاسم المشترك أن غالبية المنشور يعكس تأييداً لمصر أو حزب الله من دون طلب الحقيقة خالصة من هوى الانتماء الشخصي. سأحاول إنصاف الطرفين، فأنا مع مصر دائماً ومع حزب الله ضد اسرائيل مطلقاً، وأعتقد أنني أستطيع أن أكون موضوعياً، وأرجو أن يستفيد الطرفان من محاولتي التقييم والتقويم حتى لا يستمر الخلاف ويتفاقم. وهكذا: بيان النائب العام المصري لم يكن إدانة بل قرار اتهام، وعضو الحزب سامي شهاب المعتقل والمتهم غير مدان بعد، ومثله حزب الله نفسه، غير أنني شعرت بأن السيد حسن نصرالله يعامل الاتهام وكأنه نهاية المطاف مع أنه مجرد بداية. تهمة التحريض في البيان المصري لها أسباب، فعندما دعا الأمين العام لحزب الله الشعب المصري والجيش الى مساندة الفلسطينيين في حرب اسرائيل على قطاع غزة كان هناك تحريض كبير حتى لو لم يقصده قائله. وكتبت في حينه أن صديقَك من صدقك، السيد حسن نصرالله يخطئ بحق مصر وشعبها، فلا أحد انتصر للفلسطينيين ودفع الثمن أكثر من مصر. وسماحة السيد أخطأ أيضاً في نقطتين مهمتين خلال حرب غزة والأسبوع الماضي. مصر لم تغلق معبر رفح. هذا نصف الحقيقة، ومن نوع «ويل للمصلين...» مصر وحماس أغلقتا معبر رفح، فأكبر بلد عربي لن يغيّر سياسته لتناسب فصيل مقاومة، والاتفاق على معبر رفح طرفه الفلسطيني السلطة الوطنية، ولو أن حماس قبلت أن تتسلم السلطة المعبر لفتح قبل الحرب وخلالها واليوم. وكنت قلت للأخ خالد مشعل في حزيران (يونيو) الماضي أن معبر رفح لن يفتح وأعطيته الأسباب، وكررت هذا الكلام في جلسة معه قرب نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وذكّرته به الشهر الماضي أيضاً. ولا يعقل أن أعرف عن مصر ما لا يعرف حزب الله وحماس. ثم هناك الافاق والزعم أن مصر أغلقتها، أو تُغلق ما تكتشف منها. السلطات المصرية ستنكر كلامي التالي لأنه يناقض اتفاقاتها المعقودة ومعاهداتها، ومع ذلك أقول إن مصر تعرف مكان وجود كل نفق وأصحابه على الطرفين من مصريين وفلسطينيين، وإيجار التهريب بالساعة وحسب نوع البضاعة. والسلطات المصرية تغض الطرف وتزعم أنها لا ترى. كلامي واضح وعندي تفاصيل ربما نقلتها يوماً لسماحة السيد شفوياً. فالنشر هدية لإسرائيل، ومصر قادرة على إغلاق المعابر كلها وإغراق الحدود بالماء في يوم واحد أو ليلة. ومعلوماتي أن السلطات المصرية، بعد تعثر مفاوضات المصالحة الفلسطينية، أخذت تشدد المراقبة وتوقف وتمنع وتعتقل للضغط وإثبات أنها قادرة إذا أرادت. وبت أخشى مع حدة الجدل المستمر والتراشق بتهم صحيحة وطائشة أن تغلق مصر الأنفاق كلها للضغط وإظهار أنها صاحبة القرار. أزعم أن مصر وحزب الله في خندق واحد مع الفلسطينيين ضد اسرائيل، وإن اختلفت الوسائل. وقد سجلت في ما سبق خطأ حزب الله في فهم الموقف المصري بالشفافية التي تحدث عنها السيد حسن نصرالله في خطابه، ورجائي ليس مجرد الاعتراف بالخطأ وإنما الرجوع عنه، فهذا فضيلة أكبر. أما وقد أنصفت مصر فإنني أكمل بإنصاف حزب الله. حزب الله لم يقم ولن يقوم بأية «عمليات عدائية» داخل مصر بمعنى أن تستهدف مصريين أو أي مصلحة مصرية، هذا مستحيل. وهو لم ينفذ يوماً أي عملية من أي نوع خارج أرض المواجهة مع اسرائيل، فعداؤه لها وحدها، وإذا كان حزب الله لم ينفذ شيئاً في أوروبا أو أميركا، فقناعتي أنه لن ينفذ عملية في بلد عربي، وعضو حزب الله معتقل وهو في مهمة لمساعدة المقاومة وليس ضد مصر، والاعترافات، إن ثبتت، تتحدث عن استهداف اسرائيل أو اسرائيليين لا مصر أو المصريين. اسرائيل تتمنى أن يقوم حزب الله بعملية عنف خارجية، وعصابة الشر الليكودية في أميركا تروج بانتظام معلومات زائفة عن نشاط خارجي غير موجود للحزب في أوروبا وأميركا وغيرها. (مثل واحد يكفي، ففي 27/3/2009 نشرت «واشنطن تايمز» الليكودية خبراً عنوانه «حزب الله يستخدم طرق المخدرات المكسيكية الى الولاياتالمتحدة» وجاء فيه أن الحزب على علاقة مع «كارتيلات» المخدرات المكسيكية ويهرّب المخدرات والناس الى الولاياتالمتحدة ويكسب مالاً لتمويل عملياته، ويعرض الأمن الأميركي للخطر. طبعاً هذا كله كذب ألف بالمئة، وفيلم هوليوودي سخيف حتى لا يصدق، وهو مستحيل تتمنى اسرائيل حدوثه لتصدُق تهمة الارهاب على حزب الله). مشكلة مصر ودول عربية كثيرة مع حزب الله بعده الايراني، وخوف هذه الدول من أطماع ايرانية فارسية بالمنطقة العربية واستغلال ايران شعبية القضية الفلسطينية فتستعمل فصائل المقاومة مثل حزب الله وحماس مطية لتنفيذ هذه الأطماع. حزب الله حزب لبناني شيعي، والدعم الايراني جزء كبير من أسباب قوته، إلا أنه حزب سياسي لا يريد نشر الدعوة الشيعية في مصر أو أي بلد، وإذا كان الفاطميون دخلوا مصر وخرجوا من دون أن تصبح مصر شيعية، فحزب الله لن يفعل.