نشرت صحيفة «الحياة» في عددها الصادر يوم الثلثاء الماضي خبراً تناولته الكثير من وكالات الأنباء العالمية، وهو تجديد دعوة زعيم ما يعرف ب«تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» ناصر الوحيشي الملقب بأبي بصير أتباعه والمؤيدين لتنظيم القاعدة إلى استهداف ومهاجمة المطارات والقطارات في الدول الغربية واستهداف المسؤولين والقيادات الأمنية وذلك من خلال مقال نُشر له أخيراً بعنوان «الحرب خدعة» في مجلة «صدى الملاحم» ولقد دعا أيضاً في مقاله، وهو الجزء الذي يهمنا بالحديث عنه، إلى مهاجمة واستهداف الإعلاميين والصحافيين والكتاب «العلمانيين» الذين يسبون الدين ويسخرون منه، وفقاً لتعبيره، إذ قال «السكين سلاح ناجع لبعضهم، ولآخرين الضرب المبرح، حتى تقعده على الفراش، أو تفقده إحدى حواسه»، ودعا التنظيم في خاتمة المجلة أتباعه إلى «ضرورة إعداد قوائم بأسماء الإعلاميين المنافقين الحاقدين على الإسلام وأهله، ورصد تحركاتهم». إن صدور مثل هذه الدعوات تجاه الكتاب والصحافيين والإعلاميين الذين كشفوا زيف وحقيقة «القاعدة» تدل وبكل صراحة ووضوح على النجاح الكبير الذي حققته الكلمة والقلم في إسقاط وفضح الفكر القاعدي، الذي لم يجد الآن أمامه من سبيل بعد سيل من الهزائم والضربات المتتالية على مختلف الأصعدة إلا بتوسيع دائرته من خلال تهديد واستهداف الرموز الإعلامية والصحافية. ولقد اعتمدت القاعدة في دعوتها لاستعداء الكتاب والمثقفين والصحافيين من خلال إطلاق مفردتين اعتدنا أخيراً سماعهما وهما «المنافقون والعلمانيون» وهو وصف يراد به غالباً إقناع المتلقي بأن المتصف بذلك الوصف هو خارج من دائرة الإسلام، وأنه متهم في دينه وذلك لإيجاد المبرر والمسوغ الشرعي لاستهدافه والاعتداء عليه وفقاً لأدبيات تنظيم القاعدة التي تؤمن بالعنف والقتل كوسيلة للتغيير. ليس تنظيم القاعدة فحسب هو الوحيد في الساحة الذي يستخدم الوصف المذكور ليترجم من خلاله الموقف الأيديولوجي تجاه الصحافيين والكتاب والإعلاميين، بل إن كثيراً من الدعاة والصحويين لدينا ومن خلال الكثير من البيانات والمحاضرات يشتركون معهم في إطلاق الوصف والتعبير ذاتهما مع الاختلاف في أسلوب التعاطي والمعالجة للقضية ذاتها، حتى غدا تصنيف فئات من المجتمع تحت مسمى المنافقين والعلمانيين دارجاً في عدد من منابرهم الدعوية والإعلامية. لقد دأب الكثير من الدعاة والخطباء على إطلاق وصف «المنافقين والعلمانيين» على عدد من الكتاب والصحافيين والإعلاميين، وهو وصف لا يخفى على كل أحد أنه ينطوي على مضامين وأبعاد خطرة، وذلك لكونه ينطلق من أصول شرعية، فمصطلح النفاق تحديداً هو مصطلح شرعي يقصد منه الحكم على من أطلق عليه بإظهار الإسلام وإبطان الكفر والموالاة والتبعية للكفار، فهو اصطلاح يتضمن تكفيراً وحكماً على القلوب وتجاوزاً لحدود علام الغيوب، والنفاق له صور وأحوال متنوعة ومتعددة. إن إطلاق ذلك الوصف بالعموم على مجموعات وشريحة واسعة من الكتاب والصحافيين وتخصيصهم بذلك الوصف هو أمر خطر، وتكمن تلك الخطورة في أن المتلقي لتلك البيانات والفتاوى يتشرب ما تتضمنه تلك الاتهامات من معانٍ وأحكام عامة لها دلالات ذهنية يسعى لتطبيقها على ارض الواقع، التي لا يفيد حينها العذر الشهير لمطلقي تلك الكلمات بقضية التفريق في الحكم في حالة التعميم والتعيين! لقد اعتبر الشيخ ناصر العمر، وهو احد الرموز الصحوية الشهيرة، في محاضرة له بعنوان «فما لكم في المنافقين فئتين» بأن من أشد الناس عداوة للإسلام وأهله من يسمون بالكتاب المنافقين والعلمانيين، الذين يتحالفون مع أعداء الله، وفي الوقت ذاته يشنعون على الجهاد وعلى المجاهدين في سبيل الله، الذين وإن اخطأوا إلا أنهم يبقون مجاهدين في سبيل الله». ويقول الشيخ عبدالعزيز الراجحي، وهو من العلماء المتخصصين في مجال العقيدة، «إن النفاق كان يطلق في عهد النبي على من كان يُظهر الإسلام ويُبطن الكفر ثم بعد ذلك صار يسمى زنديقاً، وفي زمننا هذا يسمى علمانياً، فالعلمانيون هم الزنادقة، وهم المنافقون، فالعلمانيون من الصحافيين وغيرهم الذين يطعنون في الإسلام ويطعنون في الدين، ويتسترون باسم الإسلام هم منافقون وزنادقة، لأن أعمالهم وأفعالهم وأقوالهم تدل على كفرهم». إن إطلاق تلك العبارات والأحكام والتسميات التكفيرية لاشك أن لها أثراً في إيجاد وخلق نوع من العلاقة التنافرية بين عامة أفراد المجتمع وبين شريحة الكتاب والصحافيين التي تهدف لصدهم من التأثر بأطروحاتهم وآرائهم الفكرية والاجتماعية، وهو مبعث القلق لديهم، فهم لكونهم لا يقبلون بالتنوع الفكري لذلك تجدهم يتخذون موقفاً دينياً من عدد كبير من الكتاب والمثقفين. إن المجتمع السعودي هو أحوج ما يكون في مثل هذه المرحلة التي يخوض فيها حرباً لاقتلاع واستئصال الإرهاب من جذوره إلى الوحدة والبعد عن كل ما يشق الصف الوطني والتصدي لكل الأصوات التي تعبث بنسيج ووحدة المجتمع وتصنيف أفراده، لاسيما المثقفين والإعلاميين، إلى منافقين وعلمانيين والتي لاشك أنها محاولة يائسة لا تعود للوطن والمجتمع بقيمة أو فائدة حقيقية، بل إن المستفيد الأول هي تلك التنظيمات الإرهابية والتكفيرية التي ستجد من تلك التصريحات والتعقيدات الشرعية ملجأً ومسوغاً لتنفيذ أهوائهم ورغباتهم، وليس بالاعتماد فحسب على تأصيل رموزهم التكفيرية، بل وعبر عبور جسر من دعاتنا، وذلك من أجل تحقيق مشروعهم الدموي. كاتب سعودي. [email protected]