لم تعبّد المفاوضات الصعبة التي خاضها زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية والمعاون السياسي للأمين العام ل «حزب الله» حسين خليل مع رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي العماد ميشال عون في حضور وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، الطريق كلياً أمام الإسراع في ولادة الحكومة العتيدة، إذ توقفت كما قالت مصادر رئيسة في المعارضة ل «الحياة» عند إصرار «الجنرال» على استبدال حقيبة الاقتصاد بحقيبة الصناعة المعروضة عليه من ضمن حصته الى جانب الاتصالات والطاقة والسياحة. ومع أن فرنجية وخليل بقيا في الساعات الأخيرة على تواصل مع الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري، فإن تظهيرهما للنتائج النهائية للمفاوضات بقي عالقاً عند إصرار عون على الاقتصاد بدلاً من الصناعة بعد عدوله عن المطالبة بالشؤون الاجتماعية الى جانب الاقتصاد وإلا فلتشكل الحكومة على أساس عودة القديم الى قدمه باعتبار أن من غير الجائز أن تطبق المداورة في الحقائب على تكتل التغيير دون غيره. وعلمت «الحياة» من مصادر مواكبة للقاءات المفتوحة بين فرنجية وخليل من ناحية والحريري من ناحية ثانية أن اجتماع أركان المعارضة في الرابية تزامن مع دورة من الاتصالات الخارجية بدأت بين الرياض ودمشق ثم تمددت من قبل الأخيرة باتجاه طهران وأنقرة للتداول في الأسباب التي ما زالت تؤخر تأليف الحكومة. وتردد أن الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله واكب شخصياً لقاء الرابية الذي غاب عنه المعاون السياسي لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، النائب في حركة «أمل» علي حسن خليل، الذي دعي الى حضور الاجتماع لكن الرئيس بري ارتأى بقاءه على مسافة واحدة من جميع الأطراف انسجاماً مع موقفه بعدم الدخول طرفاً في هذه المفاوضات، متمنياً للمعنيين التوفيق في الوصول الى تسوية لآخر العقد. وبالنسبة الى اجتماع الرابية، لا بد من الإشارة الى أن «حزب الله» قرر أخيراً الانضمام الى الجهود الرامية لتذليل العقبات التي تعترض ولادة الحكومة، وهو كلف خليل بهذه المهمة في أعقاب مشاورات رفيعة المستوى أجريت في الساعات الماضية بين قيادة الحزب وكبار المسؤولين السوريين، الذين نقل عنهم تشجيعهم للدور التوفيقي الذي باشره فرنجية منذ أكثر من أسبوعين وتجلى في مفاوضاته المتنقلة بين الحريري وعون. وجاء انضمام «حزب الله» الى المفاوضات بعد أن تمكن فرنجية من إقناع الحريري في الابقاء على حقيبة الاتصالات من حصة «التيار الوطني الحر» شرط أن لا تسند الى وزيرها الحالي باسيل. وهذا ما شجع زعيم «المردة» على تفعيل لقاءاته بالطرفين. وتردد أن فرنجية ومعه خليل كانا حاسمين في ضرورة تعزيز عامل بناء الثقة بين الحريري وعون وأن هذا يتطلب استعدادهما لتقديم تضحيات متبادلة. ونقل عن فرنجية قوله لعون: من غير الجائز تأخير تأليف الحكومة، والحريري قدم تضحيات لا بد أن يقابلها بالمثل، خصوصاً أن هناك قراراً في مكان ما بضرورة تخطي كل العقد لتسهيل قيام الحكومة الجديدة. وشدد فرنجية على ضرورة التجاوب مع هذا القرار وكأنه يشير الى الدور السوري المساعد في هذا الخصوص، مشيراً في الوقت نفسه الى أن الأمور «يجب أن تمشي» وأن التفاهمات الكبرى لا يجوز أن تتوقف عند أمور قابلة للحل وليست مستعصية ولا تتطلب سوى الاستعداد من هذا الطرف وذاك للقاء بعضهما بعضاً في منتصف الطريق. وبدا فرنجية صريحاً وحاسماً، حتى أنه أبدى كل استعداد لتنازل «المردة» عن حصته كوزير دولة لمصلحة «التيار الوطني» إذا كان هذا يدفع باتجاه تخطي آخر العقد التي تؤخر تأليف الحكومة، وحضه على التجاوب مع جهود كبرى لوقف تجاذبات تمنع تأليف الحكومة، مشيداً بتضحياته وبقدرته على تجاوز الاعتبارات، حتى لو كانت من حسابه لمصلحة تثبيت الاستقرار العام الذي يتطلب للحفاظ عليه قيام حكومة وحدة وطنية. ورد عون بأن هناك من يخطط لاستهدافه وأنه الاستراتيجي الوحيد الذي يتعاطى مع تشكيل الحكومة من هذا المنطلق وإنه ليس نادماً على خياراته السياسية. إلا أن المفاوضات الصعبة لم تسقط آخر اعتراضات عون الذي أصر على استبدال الاقتصاد بالصناعة بعد رفضه الثقافة مقابل تأكيد الحريري أنه قدم كل شيء وأن ليس لديه بعد الآن ما يقدمه بهذا الشأن. ورأت المصادر المواكبة لموقف الحريري أنه قدم كل التنازلات لمصلحة قيام حكومة وحدة وطنية وأنه موافق على إسناد الاتصالات والطاقة والصناعة والسياحة ل «التغيير» لإنجاح المهمة التي يقوم بها فرنجية مثمناً، الدور الإيجابي الذي لم ينقطع عن القيام به. وأكدت المصادر أن العقدة الأخيرة من لعبة عض الأصابع بقيت عالقة على إصرار عون على استبدال الاقتصاد بالصناعة وأن فرنجية مستمر في مهمته ولن يتعب لكن عون يميل الى بيع موقفه في الموافقة النهائية الى قيادة «حزب الله» التي لم تتخل عنه وهو لم يتخل عنها. وهناك من يرجح أن يبادر عون الى تسليف موقفه في الموافقة الى نصر الله شخصياً لأنه يريد أن يعطي لقيادة الحزب دوراً مميزاً في وضع اللمسات الأخيرة لإخراج تأليف الحكومة من التجاذبات ولعبة شد الحبال. وعلى هذا الأساس يفترض أن تحمل الساعات المقبلة إشارات حاسمة باتجاه تحديد المسار العام لعملية التأليف، في حال قرر عون الاحتكام الى نصيحة نصر الله باعتبار أن الحزب، من خلال موقفه، أمن له المدى السياسي الأوسع في مفاوضاته بدلاً من أن يخضع الى التأثير المباشر لعدد من المحيطين به وبعضهم لم يرق له الدور الذي لعبه فرنجية ونجاحه في تسجيل اختراق أساسي كان وراء التقريب في وجهات النظر بين «تكتل التغيير» والرئيس المكلف الذي بقي صامتاً كعادته يرفض التعليق على كل ما تتناقله وسائل الإعلام من «معلومات» حول ما آلت إليه الوساطة في شأن تأليف الحكومة أو إبداء الرأي في هذا الموقف أو ذاك. والمرة الوحيدة التي خرج فيها الحريري عن صمته كانت عندما كرر ما قاله في السابق من أن الذين لا يتحدثون في موضوع الحكومة هم أكثر العارفين بخفاياها، مضيفاً عليه ما ورد في الآية: «لا تكرهوا شيئاً وهو خير لكم...». أما في شأن ما يتردد عن وجود بوادر خلاف بين الحريري وحلفائه المسيحيين في 14 آذار فإن المصادر أكدت ل «الحياة» أن هذا الكلام هو من باب «الرغبات» التي يتمناها البعض وهي تدعم نفيها لأي اختلاف بالتواصل القائم بين الحريري وحلفائه، إضافة الى تواصله اليومي مع رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط.