في علمي أن هناك اهتماماً من مستويات عليا بقضية الفقر المدقع في محافظة الليث السعودية، وفي علمي أيضاً أن هذا الاهتمام ليس وليد هذه الأيام، وأن للصحافة دوراً في التنبيه لحاجات الأهالي هناك. هذا مثبت من خلال خطابات صريحة وواضحة وجّهت الى أجهزة تنفيذية، لكن في العلم أن الآلة الإدارية التنفيذية تسير سير السلحفاة، وترجمة تلك التوجيهات الصريحة إلى أعمال على الأرض أو مبشّرات لها لم تظهر علاماتها بعد. تخيّل أن يكتب قاض في مركز غميقة في الليث مع مجموعة من المواطنين، طلباً للترخيص لجمعية خيرية، فلا يستجاب له وتتحوّل المسألة إلى معاملة وخطابات، وكأن هناك اكتفاء أو تشبعاً خيرياً، مع أنه في كل شهر رمضان يمد بعض الأهالي هناك أيديهم بحثاً عن إفطار ومعونة، بل إن القاضي الذي يقضي بين الناس منذ ثلاثين عاماً، أعلن معرفته بمستوى الفقر والحاجة. أشرت إلى هذا النموذج أوائل هذا العام، توقعاً مني بأن وزارة الشؤون الاجتماعية ستنتفض وتحرك الراكد، لكن من دون فائدة، فهي تعيش في عالم آخر. إلى هذه اللحظة ما زال الرفض قائماً. تخيّل أن محافظة الليث تابعة صحياً لمحافظة جدة، تأتمر بأمرها، وتحصّل حاجاتها «مما تجود» به نفوس المسؤولين عن الصحة في محافظة جدة، أو ما يفيض - ربما يتبقى - من مستودعاتها، هذا الحرص على الحيازة وعشق المركزية من أسباب تأخرنا، كأن الأخيرة (صحة جدة) ناقصة مسؤوليات، مع أن محافظة القنفذة غير البعيدة عن الليث مستقلة، والأَوْلَى أن تعامل الليث بالمثل. قبل سنوات، كتبت مقالاً بعنوان «كأنك في جدم»، وصفت فيه حال الفقر والبؤس في أحد مراكز محافظة الليث. لم يتغيّر شيء يذكر. تخيّل أن خط الإسفلت توقف قبل نحو ثلاثة كيلومترات عن جدم، في منطقة وعرة، الكيلومتر فيها عن عشرين، مع سيول مفاجئة كشفت قبل أيام بعد قطعها الطريق على فريق تعليمي طبي عن حالات إنفلونزا خنازير لم يعلن عنها! ثلاثة كيلومترات بل أقل بخلت بها، إما وزارة النقل أو البلدية على الأهالي هناك، «وكأنك يا أبو زيد ما شيدت». أما حال المدارس والتربية والتعليم في تلك المحافظة في مقابل حاجات أبناء الأهالي وبناتهم، فلها قصة تطول وتدور حول النقص وسوء التوزيع. إن هذا الواقع الضعيف للأجهزة الإدارية التنفيذية من مختلف الجهات الحكومية ساهم مساهمة واضحة في استمرار تفشي الفقر بين أهالي الليث ومراكزها المتناثرة لتصبح نائية، ما أدى إلى أن تكون ميداناً لتفشّي المخدرات تهريباً وترويجاً، وهذا ليس سراً، بل جعلها ممراً - أكثر سهولة - لعبور المتسللين والمهربين، ولك أن تتخيل أحوال أبناء المحافظة، وهذا ما يحيط بهم، ترجمة التوجيهات واجب، ومراقبة التنفيذ أوجب، والمساءلة هي ما يضع النقاط على الحروف. www.asuwayed.com