وقعت تركيا وأرمينيا، في زوريخ العاشر من تشرين الأول (أكتوبر)، اتفاقين («بروتوكولين») في رعاية ممثلين أجانب، أميركيين وروس وأوروبيين. ورعاية هؤلاء التوقيع ليست أبداً قرينة على تدخل أو إلحاح أجنبي. فسياستنا ترمي الى إرساء الاستقرار والأمن في هذه المنطقة، والى بناء علاقات متينة وحسنة بجيراننا، وحل المشكلات العالقة بيننا. ولكننا نشكر الذين ساعدونا على بلورة هذه العملية، ونعلن امتناننا لهم. ومفتاح كسر الجمود هو اقتناعنا بأن أمن القوقاز هو المدخل الى التنمية والازدهار. فزمن الحروب الباردة ولى وانتهى. والدول كلها حريصة على تلبية حاجات شعوبها وسكانها، وتسلك طريق التعاون. والحق أن النزاعات الخامدة قد تستفيق وتشتعل في أي وقت، على ما رأينا في الحرب التي اندلعت فجأة بين روسيا وجورجيا. وعليه، ينبغي التصدي لمشكلات القوقاز وحلها. وينتظر تنفيذ البروتوكولين موافقة البرلمانين، التركي والأرمني، على توقيع وزيري الخارجية. وفي هذا المعرض، يقول المثل التركي: «من صفت نيته كان حصاده على حسب نيته». وآمل أن تصفو نية الجميع. وفتح الحدود هو مقدمة الى إرساء علاقات طبيعية في المسائل كلها. ونأمل أن يتخطى حسن علاقات الجوار بين تركيا وأرمينيا نظيرها بيننا وبين اليونان! فخطؤنا في سبيل منتدى السلام والتعاون والاسقرار في القوقاز تشمل أرمينيا. ونحن لا نزن الاتفاق في ميزان التنازلات والمساومات، وإلا فاتنا تحقيق السلام، وهو غايتنا. فما يتقدم التنازلات والمساومات، ويفوقها أهمية، هو الرؤية البعيدة الأمد والشاملة. ولا ريب في أن الاتفاقين الموقعين لا يتطرقان إلى مسألة كاراباخ، حيث ترابط قوات أرمينية إلى اليوم. واحتلال بلد أراضي بلد آخر ينبغي ألا يقبل به أحد أو يرضاه. والحوار هو السبيل إلى حل المسألة. والمبدأ الذي أدعو إليه هو على الدوام: «علينا أن نوسع رؤيانا!» فلماذا لا تعمد أرمينيا وآذربيجان إلى تحسين علاقاتهما الواحدة بالأخرى؟ وأما أراء الأرمن وخلافاتهم الداخلية فليس من صلاحياتي إعلان رأي فيها. ولكنني أريد توجيه نداء الى التعاون. والأرمن المقيمون في بلدان الشتات المتفرقة بعيدون من أرمينيا. وإذا رغبوا في مساندة أرمن أرمينيا، فعليهم مساندة العملية الديبلوماسية والسياسية. وكنت أود ألا أقول إن من ينعم بحياة هانئة في واشنطن أو باريس، يسير عليه ألا ينشغل بمصير إخوانه بأرمينيا، وألا يقضّ مضجعه مصيرهم! ولو أقام الألمان والفرنسيون على بعث ذكريات العداوة بين بلديهم لما تصالح البلدان، ولما خطت أوروبا خطوات على طريق الوحدة، على ما هي حال اليوم. ونحن لا نتكتم على اختلاف نظرتينا إلى الحوادث التاريخية الماضية، (المسألة الأرمنية). ولكن مبادرتنا إلى فتح أرشيفنا التاريخي، وأرشيفنا العسكري جزء منه، قرينة على ثقتنا بأنفسنا. ونحن ندعو إلى تحكيم لجنة مؤرخين تضم اختصاصيين من بلدان غير بلدينا في المسألة، ونلتزم خلاصاتها. وليس ثمة رابط بين سياستنا بإزاء أرمينيا وبين سياستنا بإزاء الاتحاد الأوروبي. فسياستانا في الموضوعين مستقلتان الواحدة عن الأخرى. ولم يذهب تفكيرنا إلى الاتحاد الأوروبي حين انتهجنا سياستنا بإزاء أرمينيا. * الرئيس التركي، عن «لكسبريس» الفرنسية، 15/10/2009، إعداد و. ش.