بعيداً من تداعيات تأجيل التصويت على تقرير غولدستون، وما أثاره ذلك من خلافات وصراعات، وكذلك ما أشّر إليه لزاوية وضع السلطة الفلسطينية والدور الذي باتت تلعبه، وعما يمكن أن تقود إليه كل هذه الصراعات، وربما وصولاً إلى كل ذلك، نطرح السؤال حول ما يمكن أن نستنتجه بعد أشهر من استلام باراك أوباما رئاسة الولاياتالمتحدة، التي حفلت بالمراهنات عالية الضجيج حول «عملية السلام في الشرق الأوسط». فقد زار ميتشل المنطقة عديد المرات من دون أن يحقق شيئاً، وكانت مسألة المستوطنات هي المسألة التي تركز كل النقاش الماضي حولها، وبدا أنها باتت المسألة المفصلية، وأساس تحقيق «السلام»، بينما كانت تطرح كمدخل لبدء المفاوضات. طبعاً معروف موقف القيادة الصهيونية، التي أصرت على رفض «الضغط» الأميركي من أجل تحقيق وقف «موقت» للاستيطان يكون مدخلاً لتطبيع عربي يقابل هذا الإنجاز «الكبير». ومن خلال متابعة كل التصريحات الأميركية بدا أن المطلوب هو «خطوة» عربية من أجل كسر «التشدد» الإسرائيلي، أو خطوة إسرائيلية تتمثل بوقف موقت للاستيطان من أجل تطبيع عربي. المسألة الأساس في كل هذه التفاصيل هو أن الحكومة الإسرائيلية ترفض حتى الوقف الموقت للاستيطان، وتطلب التطبيع العربي من دون مقابل، وأن الإدارة الأميركية الجديدة لم تستطع أن «تقنع» تلك الحكومة بهذه الخطوة «السخيفة»، على رغم أنها تطالب كذلك بخطوة عربية. وإذا كنا لا نريد الخوض في الأسباب التي تدفع إلى هذا التعلق بالدور الأميركي «المقرر»، والتي تبدو أنها استمرار لفكرة أنور السادات حينما أشار إلى أن 99 في المئة من أوراق القضية هي بيد أميركا، وهو الأمر الذي جعل النظام المصري يصبح تابعاً ملحقاً لمجمل السياسة الأميركية. إذا كنا لا نريد الخوض هنا، فإن المسألة التي تطرح هي: لماذا هذا «الفشل» الأميركي في «إقناع» الحكومات الصهيونية المتتالية في تقديم التنازلات التي تسمح بتحقيق ما أعلنت عنه الإدارات الأميركية المتتالية، أي حل القضية الفلسطينية وتحقيق «الدولة المستقلة»؟ لقد أشرنا سابقاً إلى أن أوباما لا يمتلك إمكانية تحقيق تغيير جذري في السياسة الأميركية، ومن ضمن المسائل التي لا يستطيع تغيير فيها هي العلاقة مع الدولة الصهيونية. لقد وضعت كلمات الفشل والضغط والإقناع بين مزدوجين لأن ما يبدو كذلك هو في الواقع ليس فشلاً، وأن الضغط هو ليس ضغط، وهكذا الإقناع، لأن مسألة العلاقة بين الولاياتالمتحدة كدولة رأسمالية، والدولة الصهيونية هي ليست ككل العلاقات بين الدول، ولا حتى تلك التي تجمع الولاياتالمتحدة مع أوروبا أو اليابان، أو حتى ضمن الحلف الأطلسي. وكل من يتعامل مع هذه العلاقة على أساس أنها علاقة بين دول سوف لا يصل إلى رؤية صحيحة لكل نشاط «السلام» الذي تمارسه الولاياتالمتحدة طيلة العقود الماضية كلها. وعلى رغم المسافة الكبيرة التي تفصل بين البلدين فإن دراسة بنية الاقتصاد الصهيوني سوف توصل إلى أن استمرار هذا الكيان قائم ليس بفعل التكوين الداخلي بل أنه قائم نتيجة الضخ المالي، المباشر وغير المباشر، وضخ الخبرات وفتح الأسواق، الذي تهيئه له الولاياتالمتحدة. لا شك في أن التكوين الاقتصادي في الدولة الصهيونية هو تكوين متطور، والناتج «القومي» كبير، لكن المسألة التي تجعل كل ذلك غير قادر على حمل المشروع هذا هو أن المصروفات التي توضع في البنية التحتية من أجل الاستيطان، وفي الجيش الذي يبنى على أنه جيش قادر على مواجهة كل العرب، وبالتالي يجب أن يمتلك أحدث الأسلحة وأكثرها تطوراً. هذا الفارق بين المنتوج الممكن والحاجة هو الذي يجعل بقاء الكيان ممكناً، وهو يعوض من قبل الولاياتالمتحدة بطرق مختلفة. هذا الوضع يجعل العلاقة بين الدولتين ليس طبيعياً، بل يؤسس لارتباط عضوي، هو الذي يجعل مركز القرار في الولاياتالمتحدة وليس في الدولة الصهيونية. وهو الأمر الذي جعل الدولة الصهيونية هي جزء من الخلافات والصراعات الأميركية الداخلية كما جعل أميركا هي تكوين داخلي إسرائيلي. في هذا الوضع أين يمكن أن نضع كلمات فشل الإدارة الأميركية في إقناع الحكومة الصهيونية بوقف موقت للاستيطان، أو كما طالب أوباما في تصريحه الأخير ب «كبح جماح الاستيطان»؟ إذن، بعد أشهر من حكم أوباما يتوضح بأن أمراً لم يتغير في ما يتعلق ب «الشرق الأوسط»، وأن أوباما يكرر السياسة ذاتها التي قال بها بوش الابن، بما في ذلك تكرار الحديث عن حل الدولتين، وإنْ بكلمات أبهت من تلك التي كان يكررها بوش. هنا بالتالي لا جديد، سوف نبقى نشهد الفيلم ذاته عبر الزيارات المتكررة لميتشل، وللحديث عن «العودة إلى المفاوضات»، وعن «التفاوض من أجل ترتيب البدء في المفاوضات». الأمر الذي سيكون جديداً، ربما أكثر مما كان في السابق، هو السعي الأميركي من أجل «ترطيب» العلاقة بين النظم العربية والدولة الصهيونية، والوصول إلى علاقات رسمية علنية، على أساس أن هذه الخطوة هي التي ستقنع الحكومة الصهيونية بالمرونة. إن ثقل السيطرة الأميركية عربياً يجعل هذه السياسة ممكنة، على رغم التمنع والميل إلى السرية. وكل ذلك مطروح منذ بداية 2007 كجزء من «تحالف المعتدلين» في مواجهة إيران. لا جديد في السياسة الأميركية، ولن يكون هناك جديد، وال 99 في المئة من أوراق القضية التي تمتلكها أميركا هي 99 في المئة قوة تحكم في الوضع. والسياسة الأميركية لا تني توضح بأنها سائرة مع السياسات الصهيونية لأنها سياساتها هي بالذات. فبالنسبة لها يجب أن تبقى الدولة الصهيونية قوية ومهيمنة في المنطقة ضمن الاستراتيجية الأميركية العامة. المشكلة في كل الذين لا فعل لهم سوى «النكش» عن تغير أميركي، والانتظار إلى حين حدوث تحوّل أميركي هو في الواقع غير ممكن. أوباما هو بوش الحفيد بالتالي رغماً عن جائزة نوبل. * كاتب سوري