الشعور بالانسانية، كان العنصر الوحيد الذي يجمع بين حوالي خمسة آلاف شخص تجمعوا أمام مقرات المحاكم في عدد من المدن الفرنسية رافعين شعار «إذا كان التضامن جريمة فإننا نطالب بأن نلاحق». لا يجادل هؤلاء في حق الحكومة الفرنسية في مكافحة الهجرة غير الشرعية الى أراضيها، ولا يتبنون أي من مزايدات قوى المعارضة السياسية حول طبيعة التعامل الحكومي مع المهاجرين غير الشرعيين. لكن ما يطلبونه هو عدم ارغامهم على تجاهل مشاعر التضامن الانساني التي تراودهم، وتحملهم على تقديم أشكال مختلفة من العون البسيط لمهاجرين غير شرعيين موجودين في محيطهم. فهذا العون الذي لا يتجاوز مثلاً مساعدة أفراد أسرة من المهاجرين غير الشرعيين على اعداد ملف طلب لجوء الى فرنسا، أو تقديم بعض الطعام لمجموعات من الشبان المقيمين في العراء أو بعض الملابس القديمة أو شحن هواتفهم النقالة، تعرض من يمارسه لعقاب قانوني. فالقانون المعتمد لتنظيم دخول واقامة الأجانب في فرنسا ينص في أحد بنوده على أن أي من يسهل دخول أو تجول أو اقامة أجنبي بصورة غير شرعية في فرنسا يعرض نفسه لعقوبة السجن لمدة خمس سنوات ولغرامة مالية قد تصل قيمتها الى 30 ألف يورو. وبموجب هذا البند فإن العديد من المواطنين الفرنسيين، تعرضوا لمراقبة أمنية وملاحقات قضائية، جعلتهم يتساءلون عما إذا كان ينبغي تغليب القانون على الرغبة بالتعاطف ومد اليد لمن هو بحاجة الى ذلك. وبما أن العديد منهم، قرروا تحمل مسؤولية مشاعرهم، فإنهم تجمعوا من مختلف الأعمار والأوساط والحساسيات السياسية، ليعربوا عن رفضهم للضغط الرسمي المسلط عليهم، ودعوة السلطات الى تطبيق القانون بحقهم، إذا كانت أفعالهم تنطوي فعلاً على بعد اجرامي. وببساطة فائقة عبروا لوسائل الاعلام الفرنسية عن دوافعهم، فقالت ماري وهي مدرسة في ال 37 من العمر: «لا اعتبر انني أساعد على الهجرة غير الشرعية، فهؤلاء الأشخاص موجودون على مقربة منا، وكل ما أفعله هو مساعدتهم على أن تكون حياتهم طبيعية بقدر المستطاع». واعتبر ايف وهو موظف في أحد المصارف في مدينة ليون، أن القانون الذي يعاقب من يساعد المهاجرين غير الشرعيين «مشين، لأن ما هو على المحك، هو كرامة الانسان وكرامتي أنا شخصياً، كوني لا أستطيع أن أدير ظهري للبائسين». ونتيجة الضجة الاعلامية التي أثيرت حول هذا التحرك، قرر نواب الحزب الاشتراكي المعارض، طرح مشروع يلغي البند العقابي بحق من يساعد المهاجرين غير الشرعيين، خلال جلسة يعقدها البرلمان الفرنسي في 30 نيسان الجاري. في المقابل، فإن هذا التحرك أثار غضب وزير الهجرة اريك بيسون البالغ الذي صرح بأن المقصود بالبند العقابي ليس المواطن العادي الذي يسدي خدمة لمهاجر غير شرعي، إنما الشبكات التي تتولى تنظيم هذه الهجرة غير الشرعية لقاء مبالغ نقدية معينة. وواضح أن بيسون الذي تعهد بترحيل 27 ألف مهاجر غير شرعي عن فرنسا خلال السنة الحالية، يجد نفسه وجهاً لوجه مع المعضلة التي طالما واكبت القوانين المختلفة حول الهجرة. فالتشدد المتزايد الذي اعتمد في اطار القوانين المتتالية، أثبت عدم جدواه في تقييد نشاط شبكات تنظيم الهجرة غير الشرعية، وفرض على المهاجرين غير الشرعيين وعلى الدول التي يدخلون الى أراضيها مأزقاً أكيداً. ومن الشائع أن هذه الهجرة تتغذى من البؤس السائد في عدد من دول العالم، وتشكل مصدر كسب مادي، للمتاجرين بهذا البؤس.