ليلة بدء العام الدراسي في مصر كانت يوم السبت الماضي، سهرت ياسمين تجهز حقائب أبنائها الثلاثة: عمرو (10 سنوات) ومي (14 عاماً) وسالي (17 عاماً). محتويات الحقائب الثلاث هي «ديتول» ومناشف ورقية مبللة وكمامات وأغطية بلاستيكية للتواليت وزجاجات مطهر رشاشة. وبصعوبة بالغة حشرت مقلمة تحوي الأدوات المكتبية. محتويات حقائب أبناء ياسمين ليست استثناء في هذا العام الدراسي الذي يختلف عن كل ما عداه من أعوام. والاختلاف ليس في محتويات الحقائب من مواد مطهرة فقط، ولكن في المحتوى المتوقع للعام الذي تحوم حوله خفافيش الظلام الناجمة عن فيروس «إتش وان إن وان إيه». «أنفقت العام الماضي 35 ألف جنيه بالتمام والكمال على الدروس الخصوصية التي تلقاها ابني وابنتي الطالبان في المرحلة الثانوية. هذا العام أتوقع أن يتضاعف المبلغ بعد الرعب الذي تسبب به فيروس الأنفلونزا، وتوقعات غياب الطلاب والمدرّسين عن المدارس، ومن ثم تفاقم وحش الدروس الخصوصية»، كلمات قالها بكثير من الأسى واليأس محمد عبدالله الموظف الذي يعاني الأمرّين من تدبير هذه الموازانة الضخمة للدروس الخصوصية في الأحوال العادية، والتي ينتظر تحولها إلى أحوال غير عادية في ظل أنفلونزا الخنازير. تحول آخر ينتظر نحو 17 مليون طالب وطالبة في مراحل التعليم المدرسي في مصر، وهو أسلوب تدريس المناهج التي انتقلت إليها عدوى ظاهرة «المشاركة المجتمعية الإجبارية» هذا العام. العنوان الضخم الذي تصدّر صفحات الجرائد اليومية كاد يصيب أولياء الأمور بصدمة عصبية، فقد أعلن وزير التربية والتعليم الدكتور يسري الجمل أن ثلث المناهج سيتم تدريسها في البيوت، إضافة إلى تقليص زمن الحصة المدرسية إلى 30 دقيقة بدلاً من 45 دقيقة. العم أحمد يعمل بواباً في مبنى سكني في مصر الجديدة وله أربعة أبناء في مراحل التعليم المختلفة. هو وزوجته «لا يفكان الخط» كما يقال بالدارجة المصرية، أي أنهما أميان. ضحك قبل أن يرد على سؤال وجهته اليه «الحياة» عن خططه لتدريس ثلث مناهج أبنائه الأربعة في البيت، بحسب قرار الوزير، فقال: «إن شاء الله حتى لو قالوا يدرسوا المناهج كلها في البيت، مش هتفرق معايا! دول ناس مجانين!». ولكن الأكثر جنوناً هم أولئك الذين بدأوا يصطادون في الماء العكر عبر إرسال رسائل قصيرة، ورسائل بريد إلكتروني تؤكد أن مصائب قوم عند قوم فوائد. وتقرأ إحدى تلك الرسائل «مدرس لغة عربية يضمن التفوق والصحة لأبنائكم». وفي التفاصيل أنه إذا كان التفوق سيكون حليف الطالب بفضل خبرة المعلم، فإن الصحة ستكون من نصيبه أيضاً بحكم استعاضته عن الحضور اليومي إلى المدرسة بالدرس الخصوصي مع هذا المعلم أو ذاك. ولأن «التجارة شطارة» وبفعل تحول منظومة الدروس الخصوصية إلى أمر واقع لا يمكن الاسغناء عنه، بادر أصحاب مراكز الدروس الخصوصية إلى الترويج ل «بضاعتهم» بأسلوب مناسب للوضع الراهن. اتصلت «الحياة» برقم أحد إعلانات تلك المراكز، باعتبارها ولية أمر طالب، فرد صاحب المركز المهيأ لكل أنواع الاسئلة. واستفاض في الترغيب بأن «القاعات جيدة التهوئة، والحمامات تُنظف كل ساعة، إضافة إلى رشها بالمطهرات مرتين يومياً. حتى الكمامات سنوفرها لأبنائنا». إلا أن هذه الخدمات المميزة تنعكس بدورها في الفاتورة التي يسددها أولياء الأمور. فإذا كان المصريون أنفقوا 13 بليون جنيه مصري على الدروس الخصوصية عام 2008، فإن هذا المبلغ مرشح للزياة العام الجاري لأنه سيضاف اليه سعر المطهرات والكمامات الخاضعة لارتفاع أسعار السلع والبضائع خصوصاً المستوردة. وعلى رغم انخفاض وطأة الدروس الخصوصية في مرحلة التعليم الجامعي نسبياً، إلا أن وطأة أنفلونزا الخنازير لا تختلف كثيراً. فنسبة التصريحات والبيانات الصادرة عن مسؤولي الجامعات لا تبتعد كثيراً عن تلك الصادرة عن مسؤولي التعليم المدرسي. الحديث عن خطة مواجهة الفيروس، ومد ساعات اليوم الدراسي إلى 12 ساعة، وإلغاء إجازة يوم السبت وغيرها من الإجراءات التي تهدف إلى تخفيف كثافة قاعات الدرس يجري على قدم وساق. لكن الكثيرين من الطلاب أنفسهم لا يجدون أنفسهم طرفاً فاعلاً في مثل هذا الحراك، لا سيما طلاب الكليات النظرية الذين لا يلقون بالاً بمسألة الحضور اليومي في الأحوال العادية، فكيف بأحوال الطوارئ. ويقول تامر حسن (20 عاماً طالب في كلية التجارة) متعجباً: «لا أعرف لماذا يبذلون كل هذا الجهد ويصرحون كل تلك التصريحات. فالجميع يعلم جيداً أن طلاب الكليات النظرية مثل التجارة والحقوق والآداب وغيرها لا يحضرون بصفة منتظمة. عليهم أن يركزوا هذا الجهد على الكليات التي تتطلب حضوراً يومياً». لكن يبدو أن مسألة الحضور والغياب ستشكل هي الأخرى معضلة في هذا العام الدراسي الفريد من نوعه، فعلى رغم الازدحام الشديد الذي شهدته شوارع المدن المصرية الكبرى، لا سيما القاهرة والجيزة في الأيام الأولى من بدء العام الدراسي، إلا أن نسب الغياب في المدارس مرتفعة. كثيرون من أولياء الأمور قرروا عدم إرسال الأبناء إلى المدارس لبضعة أيام، لحين «وضوح» الموقف. وتلك من أوائل المشاكل، ف «الرصد الإلكتروني الدقيق لنسب الغياب في المدارس» والذي أعلن عنه وشدد عليه وزير التربية والتعليم كأسلوب لتقصي حالات الإصابة والانتشار للفيروس من شأنه أن يواجه الكثير من المؤشرات المضللة. الطريف أن أحد أبرز ملامح بدء العام الدراسي لهذا العام، هو انتشار «دعاء أنفلونزا الخنازير»، وهو الملمح الذي يؤكد تأصل الصبغة الدينية التي تغطي كل مظاهر الحياة، بما في ذلك الاوبئة والامراض. آلاف من الرسائل القصيرة، وأخرى مكتوبة على وريقات ويتناقلها الكثيرون شفوياً تحوي أدعية الابتلاء. لكن المبالغة ظهرت في تناقل بعض تلك الأدعية تحت عنوان «الدعاء الذي يقي أنفلونزا الخنازير»، وهو ما وصفه البعض بتضليل البسطاء الذين قد يعتقدون أن هذه هي الطريقة الوحيدة للوقاية.