بعد حفلات عيد الفطر التجارية - الصاخبة، اجتاحت الدورة السادسة للألعاب الفرنكفونية العاصمة اللبنانية بيروت، بأنشطة رياضية وثقافية وفنية وأدبية متنوعة، أنست سكان المدينة ولو لبرهة مخاض حكومتهم العسير. أجانب يتمشون في شوارع بيروت، يتنقلون من صالة للرقص الى قاعة لعرض الأعمال الفنية الى ملعب لمتابعة مباراة رياضية. حضور ملفت للبشرة السمراء في المدينة. رقص وحكايات ومسرح وأعمال أدبية وكتابة نصوص وورش عمل لا تنتهي. أجانب باتوا يعرفون تفاصيل المدينة أكثر من سكانها. يقول أحدهم: «بيروت مدينة ساحرة، تكاد تكون عالمية، الاستقرار السياسي هو فقط ما ينقصها»، في حين تضيف إحداهن أن عدم الاستقرار والفوضى هما ما يميزان هذه المدينة المتوسطية». يشعر زائر قصر ال «أونيسكو» والتي ضمت قاعتاه أعمالاً ل 64 فناناً تنوعت بين التشكيل والنحت والفوتوغرافيا، أنه انتقل من بيئة الى أخرى، من محيط الى آخر، ربما من عالم الى آخر... من زحمة السير واختناق الطرق بالسيارات في بيروت، الى مساحة تستقبلك بألوان زاهية ووجوه ضاحكة. أعمال تنقل المشاهِد من ثقافة الى أخرى، ويعود الفضل في ذلك الى المهندس جان لويس مانغوي الذي لم يفرز المواضيع تبعاً لنوعها، إنما لموضوعاتها. 24 رساماً قدّموا رؤية متأثرة بالتراث والعادات والتقاليد، وكانت بعض هذه الأعمال على صلة بالماضي أو تحاول أن تلمح أن من لا ماضي له، لا حاضر له. وقد برز ذلك واضحاً في لوحة للتشكيلي اللبناني أسامة بعلبكي الذي رسم بوسطة عين الرمانة والتي كانت سبباً في اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية. لم يرد بعلبكي أن يقدم أسباباً للحرب أو تكهنات، انما أراد أن يذكر اللبنانيين بما فعلوه. لا تزال هذه البوسطة تسكن في مخيلة كثير من اللبنانيين، وباتت رمزاً من رموز الحرب. بعلبكي برشاقة اللون الرمادي، قال إن لا عودة للحرب، ولا رجعة للاقتتال الطائفي. يبدو الاختلاف واضحاً بين الأعمال التشكيلية المعروضة، وهذا ما أغنى المعرض، فثمة أعمال يمتزج فيها سمك بورد وشفاه وعيون وضحكات مع طغيان اللون الزهري. في احدى اللوحات أم بوجه بلا ملامح تغمر ابنها من دون أي عاطفة. تبدو اللوحة جامدة تعكس غضب الأم من ابنها وحزنها منه لذنب لا يعلمه الا خيال الرسام. لا تنتمي الأعمال المعروضة الى مدرسة فنية موحدة، اذ تتنوع بين الكلاسيكية والتجريدية والواقعية. تجدر الإشارة أن غالبية الفنانين التشكيليين المشاركين في المعرض هم من العالم الثالث. كم تبدو الصور جميلة بالأبيض والأسود، إنه الحنين الى الماضي بكل ما فيه من ذكريات وطفولة وشقاوة ولعب في الهواء الطلق ونظرات تتجمد في كادر تعبر منه لحظات تعبيرية شعرية تتناغم فيها العيون والأبيض والأسود. مجموعة من الصور تبرز جماليات الضوء ومدى رونق الظل في الصورة، حين تلتقط صوراً لمنظر طبيعي أو لضوء خافت منعكس على جسد عار. لم يقدم المصورون ما وقع تحت أيديهم بل بحثوا بجهد عن لقطة نادرة، في الطبيعة والفصول الأربعة والأزقة وتفاصيل المدن وضحكات وغنج الطفولة وما يليها من مراهقة... أراد المصورون أن تكون الصورة خالدة بما فيها من تفاصيل وأشياء، بعضهم لم يذهب بعيداً الى الغابات أو شوارع المدن العريضة، بل فتش عن لقطة يومية مؤثرة ومحتقرة كحذاء أو أقدام عارية لفقراء أفريقيا، كما فعلت الغابونية صولانج توكيم. وفي مجموعة أخرى للفيتنامي هو شي كوانغ، نبذة سريعة عن فيتنام عبر صور تعكس مدى الفقر الذي تعاني منه، بيد أن صورته التفت لتظهر سهولاً خضراء وجسوراً يقفز من فوقها الأطفال في محاولة لإثبات انتقالهم من الطفولة الى الرجولة. أما قسم النحت الذي شارك فيه 20 فناناً من دول فرنكوفونية، فقد اقترب من منطق الأعمال التجهيزية، وابتعد عن اطار الحجرية أو المعدنية كما في أعمال البلغاري دوشيف. البلجيكي نزاري ماردغا احتضن العالم بعمله، اذ قدّم رجلاً فاتحاً ذراعيه مرتدياً عباءة سوداء تلتصق عليها صور لوجوه وأشخاص ولقطات تتناقض فيها الاشكال والالوان والأحجام. ولفت الانتباه في المعرض عمل المغربي عثمان فكراوي اذ قدّم صحناً لاقطاً كتب عليه عبارة «اذا كان الشمال في الجنوب... والجنوب في الشمال...». أما بابي نسيلو سوكولو من الكونغو، أظهر اضطراب الكرة الأرضية بما صنعه من أعقاب السجائر وبقايا الفول السوداني. رجل يتمدد على الأرض صُنع من سجائر جمعت من الطرقات حاملا سيجارة ضخمة وكأنها دليل على مضار التدخين وسيئاته.