فرضت جريمة قتل «جبهة النصرة» العريف في قوى الأمن الداخلي علي البزال ليل أول من أمس اتجاهاً نحو التشدد والمواجهة من الدولة اللبنانية حيال «داعش» و «النصرة» اللذين يحتجزان العسكريين اللبنانيين (عددهم بات 25 من الجيش وقوى الأمن) ورفْضِ تقديم التنازلات تحت ضغط إعدام أحدهم، بموازاة قنوات التفاوض المفتوحة على إطلاقهم. وقصف الجيش اللبناني صباح أمس تجمعاً للمسلحين السوريين في جرود بلدة عرسال في البقاع الشمالي بصاروخ موجه من طائرة «سيسنا»، موقعاً إصابات في صفوفهم، كما قصف مواقع للمسلحين بالمدفعية. وذكرت مصادر رسمية ل «الحياة» أن الخاطفين «أمعنوا في إهانة الدولة وهيبتها بعدما طمأنوا مرات عدة إلى أنهم لن يُقدِموا على قتل المزيد من العسكريين، لكنهم لجأوا في كل مرة إلى ارتكاب جريمة، ولم يعد ممكناً التساهل معهم والقبول بابتزازنا، على رغم موافقة لبنان على المقايضة التي يبدو أنهم لا يريدونها فعلاً». (للمزيد). وبينما هدد التنظيمان بقتل المزيد من العسكريين في إطار الضغط لإعطاء الأولوية للإفراج عن المعتقلتين لدى السلطات الأمنية اللبنانية، طليقة أبو بكر البغدادي سجى الدليمي وزوجة أحد مسؤولي المجموعات المسلحة (أبو علي الشيشاني) علا العقيلي، أدى إعلان «النصرة «عن قتل البزال إلى تفاعلات على غير مستوى أمس في لبنان، بدءاً بقطع أقاربه الطريق في قرية البزالية في البقاع بين بعلبك وبلدة عرسال، حيث أقاموا حواجز مسلحة وخطفوا 3 مواطنين أفرجوا عنهم فجراً، ودققوا في هويات المارة لمنع المساعدات من الوصول إلى النازحين السوريين في عرسال. وإذ أطلقت جريمة قتل العسكري البزال، الرابع الذي يقتله خاطفو العسكريين منذ 2 آب (أغسطس) الماضي، مخاوفَ من ردود فعل مذهبية، فإن اتصالات قادة القوى الأمنية وانتشار الجيش في منطقة البقاع تحسباً لأعمال ثأرية عشوائية، خففت من انعكاسات هول الصدمة والحزن والغضب الذي أصاب أهالي العسكريين بإعلان «النصرة» إعدامه. وقطع الأهالي المعتصمون قبالة السرايا الحكومية الطريق ذهاباً وإياباً عند مدخل العاصمة الشمالي الشرقي في محلة الصيفي قرابة ظهر أمس، وكذلك المنافذ نحو مرفأ بيروت، وأقفلوا الطريق في الاتجاهين على أوتوستراد القلمون الذي يصل بيروت بطرابلس شمالاً، بعد تلقي أهالي الجندي نظام مغيط (من عكار) إنذاراً بقتله، وأعلنوا أنهم لن يفتحوها إلى أن تأخذ الحكومة قراراً يضمن حياته ورفاقه، وحمّلوها مسؤولية مقتل البزال، مطالبينها بالاستقالة، وبإعطاء وزير الصحة وائل أبو فاعور الدور الفعال لحل قضية العسكريين مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، كما ناشدوا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بأن يسعى إلى حل الملف، وانتقدوا التسريبات الإعلامية عن التحقيقات مع كل من الدليمي والعقيلي. وتلقت زوجة الجندي خالد مقبل حسن أثناء الاعتصام في الصيفي رسالة على «واتس أب» من «داعش»، بأنه سيتم قتل جميع العسكريين خلال ساعات. وفيما تعاطت القوى الأمنية مع قطع الأهالي الطرقات باللين ولم تتصدَّ لهم كما حصل الإثنين الماضي، دعت عائلة الشهيد البزال الدولة إلى تنفيذ أحكام إعدام صادرة بحق إرهابيين في سجن رومية، واتهمت الشيخ مصطفى الحجيري بأنه مسؤول عن مقتل ابنها، وطالبت بالقبض عليه. واعتبرت العائلة أن السوريين الموجودين في عرسال «ليسوا نازحين بل حفنة من الإرهابيين»، رافضة إيصال المساعدات إليهم. وأوضحت مصادر متابعة لملف التفاوض مع الخاطفين، أن الإعلان عن قتل الدركي البزال أول من أمس قد يكون تم بعد أيام من قتله، وهي إشاعة كانت سرت في أوساط بعض الأهالي أيضاً من دون التأكد منها، كما أنه تم بعد مرور يومين على مغادرة الوسيط القطري بيروت التي مكث فيها بضع ساعات، لأن الخاطفين رفضوا التعاطي معه قبل الإفراج عن الموقوفتين الدليمي والعقيلي لدى السلطات اللبنانية. وتردد وفق مصادر مطلعة، أن الوسيط القطري انتظر تسلم امرأة قطرية كانت موجودة لدى المجموعات المسلحة السورية في جرود منطقة القلمون السورية المحاذية للحدود اللبنانية، للذهاب بها إلى الدوحة. وعصراً، ترأس رئيس الحكومة تمام سلام اجتماعاً استثنائياً لخلية الأزمة التي تضم نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع سمير مقبل ووزراء الداخلية نهاد المشنوق، المال علي حسن خليل، العدل أشرف ريفي، الصحة وائل أبو فاعور، واللواء إبراهيم ورئيس شعبة المعلومات العميد عماد عثمان، دام أكثر من 3 ساعات صدر إثره بيان مقتضب أشار إلى بحث «جريمة إعدام الرقيب في قوى الأمن الداخلي علي البزال الذي يعتبر شهيداً لكل الوطن وليس فقط لعائلته». واعتبر البيان «أن لبنان يقف اليوم صفاً واحداً متراصاً في هذه المواجهة الكبيرة من أجل إطلاق سراح العسكريين المخطوفين وحماية أمننا الوطني». وأكد البيان أن «خلية الأزمة اتخذت القرارات المناسبة في إطار مسؤوليتها عن هذا الملف». وقالت مصادر وزارية إن المداولات سرية، والتزم المجتمعون الصمت «لخطورة الوضع». وكان الوزير مقبل قال قبل الاجتماع إن «تنفيذ الإعدام بحق بعض الموقوفين غير وارد، لكننا سنتّخذ قرارات مهمة اليوم». وصدر عن «هيئة العلماء المسلمين» بيان اعتبر أن توقيف النساء مع أطفالهن «سابقة خطيرة ومعيبة». وأوضح أن الهيئة بذلت ما في وسعها لإبعاد السكين عن رقاب العسكريين وأنجزت اختراقات إيجابية أثمرت إطلاق سراح عدد كبير من العسكريين في وقت أخفقت قنوات ووساطات دولية. ورأت الهيئة أن العقدة في ملعب الحكومة العاجزة نتيجة وجود جهة متضررة من التفاوض رافضة لمقايضة المخطوفين بالموقوفين، التي هي مقايضة الضرورة. ودعت لإطلاق النساء والأطفال المحتجزين. على الصعيد السياسي، واصل المبعوث الرئاسي الروسي إلى الشرق الأوسط، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، جولته على القيادات السياسية كافة أمس، للاستماع إلى تقويمها للوضع اللبناني. وعلمت «الحياة أنه كرر في كل اجتماعاته مع الأقطاب تشجيع الجميع على التوافق و «لعب دور مسؤول» لإنهاء الشغور الرئاسي. وقالت مصادر سياسية بارزة إن بوغدانوف قال في أحد لقاءاته إنه «بات ضرورياً انتخاب رئيس توافقي والتشبث بالموقف لمصلحة مرشح معين أو لا أحد لم يعد مجدياً». وأوضحت المصادر أن رئيس حزب الكتائب الرئيس السابق أمين الجميل أبلغ المسؤول الروسي أن الفرقاء الذين يؤخرون إنهاء الشغور الرئاسي ويعطلون نصاب جلسات الانتخاب قريبون منكم، ونتطلع إلى دوركم معهم لإقناعهم بتسهيل الأمر». وفي لقاء آخر مع أحد أطراف قوى 14 آذار قال بوغدانوف: «نحن نعطي رأينا ولا نجبر أحداً على أن يأخذ به». واعتبر أن الحوار بين تيار «المستقبل» و «حزب الله» خطوة إيجابية، لأنه يعزز التهدئة والاستقرار في البلد. وأوضحت مصادر أطراف التقت الزائر الروسي، أن الانطباع الذي يتركه بعد شرح عام لتحرك بلاده من أجل الحوار بين الحكومة و المعارضة المعتدلة في سورية، هو أن الأزمة فيها طويلة، ويعطي الأولوية لمحاربة الإرهاب على إيجاد حل لها.