لم يكن قرار تمديد المفاوضات النووية مريحاً للشارع الإيراني الذي كان ينتظر رفع العقوبات، ولبعض الأوساط المتشددة التي كانت تراهن علي فشل المفاوضات بسبب تشكيكها بالصدقية الغربية، والأميركية في شكل خاص. ولم ينتظر المراقبون في طهران كثيراً حتي يسمعوا ردود الأفعال الإيرانية المتشددة، فقد بدأت هذه الردود تنهال بعد وصول خبر التمديد بعد ظهر 22 تشرين الثاني (نوفمبر) تاريخ انتهاء المهلة التي اتفق عليها الجانبان للتوصل الى اتفاق استناداً الي برنامج العمل المشترك الذي وقّع في جنيف في التاريخ نفسه عام 2013، حيث اعتبر مهدي محمدي في مقالة له في صحيفة «وطن إمروز» الأصولية أن خطوة التمديد هي الوجه الآخر لفشل المفاوضات، وهي إنقاذ للطريق المسدود الذي وصلت اليه، في حين استعد أعضاء مجلس الشوري، وتحديداً «تكتل الاستقامة» النيابي الموالي للرئيس السابق أحمدي نجاد، لاستجواب وزير الخارجية محمد جواد ظريف لوضع حد لما يعتبرونه تنازلات للجانب الأميركي علي حساب المنجزات التي تحقّقت في المجال النووي. ووضع مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي حداً للتمادي في «شرشحة» الفريق المفاوض التي انعكست في الصحف الإيرانية وكتاب الأعمدة، عندما اعلن موافقته على خطوة تمديد المفاوضات وإشادته بوزير الخارجية والفريق المرافق للجهود التي بذلوها من اجل إيصال المفاوضات الي نهاية إيجابية تستطيع إزالة العقوبات الاقتصادية مع الاحتفاظ بقدرة إيران علي حيازة الدورة الكاملة للتقنية النووية المستخدمة للأغراض السلمية. وفي خطوة رتّبها رئيس مجلس الشوري علي لاريجاني للقفز فوق الاستجواب، وقف ظريف تحت قبة البرلمان ليعطي شرحاً - لم يقنع «تكتل الاستقامة» - عن المفاوضات التي ادت الي تمديدها الى الأول من تموز (يوليو) المقبل. وكان ظريف واضحاً عندما قال ان تمديد المفاوضات كان تحت ايدينا ونحن الذين قمنا بالموافقة عليه لإنقاذ المفاوضات، موضحاً ان القضايا المختلف عليها كانت كثيرة «منها الفاصلة الزمنية بين رفع العقوبات وتنفيذ الالتزامات في البرنامج النووي كعدد أجهزة الطرد المركزي ومخرجات منشأتي أراك وفوردو وآلية المراقبة والتفتيش». ولفت الي ان الجانب الإيراني رفض بحث الأبعاد العسكرية للبرنامج النووي في هذه المفاوضات، مشيراً الي ان الجانب الإسرائيلي وبعض الدول العربية مارسا المزيد من الضغوط علي الجانب الغربي متذرعين بحجة ان أي اتفاق مع إيران سيزيد من قوتها في المنطقة. وعلي رغم أن ظريف رأي ان إيران لا تحتاج الي قوة إضافية جراء التوقيع علي الاتفاق، الا ان التطورات في المنطقة سواء في العراق او سورية خلال الأشهر الأربعة الماضية أشّرت بوضوح الى استغلال هذه التطورات لتصب في مصلحة المفاوضات النووية، فقائد قوات القدس التابعة للحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني الذي كانت تحظّر صوره، وكان شبحاً يتحرك في مواقع العمليات، أصبحت صوره الآن واضحة في شمال العراق وجنوبه، يختلط مع عناصر الحشد الشعبي الشيعي، ومع البيشمركة الكردية في كردستان العراق، ويسير في شوارع كربلاء من دون حرس، في رسالة واضحة إلى الجانب الأميركي الذي يستعد لتشكيل الحرس الوطني بعناية من قبل مستشارين أميركيين يتخذون من أربيل وبغداد مقراً لهم. ويسود الاعتقاد ان إيران استغلت المستشارين الإيرانيين بمن فيهم سليماني ليكونوا طرفاً في المفاوضات النووية، وأن ترسل رسالة واضحة إلى الجانب الأميركي بأن التوقيع علي الاتفاق النووي سيمهد الطريق للمزيد من التعاون علي صعيد الملفات الساخنة الإقليمية والتي تدخل الإدارة الأميركية طرفاً فيها، إيماناً منها ان الرئيس باراك اوباما ومعه الديموقراطيون في حاجة الي الورقة الإيرانية بعد خسارتهم الانتخابات النصفية أمام منافسيهم الجمهوريين، للعب بها في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2017، خصوصاً ان مشروع الدولتين في شأن تسوية القضية الفلسطينية لم ير النور وليس من مؤشرات إلي انه سيحقق تقدماً خلال العامين المقبلين. ونقلت مصادر إيرانية أن الجانبين الإيراني والأميركي تحدّثا علي هامش المفاوضات النووية عن وجهة النظر الإيرانية في شأن حل القضية الفلسطينية، وشرح الجانب الإيراني «مشروع الاستفتاء» لسكان الأراضي الفلسطينية المحتلة من يهود ومسلمين ومسيحيين لاختيار النظام السياسي تحت إشراف دولي لإنهاء حالة الاحتلال، بعدما أصبحت إسرائيل عبئاً أمنياً وسياسياً علي الولاياتالمتحدة. واذا كان صحيحاً ان تمديد المفاوضات يعني تمديد العقوبات كما ذكرت الصحف الإيرانية المتشددة، الا ان الصحيح أيضاً ان طهران التي تقع تحت طائلة هذه العقوبات منذ ولادة جمهوريتها الإسلامية، لن تخسر شيئاً إضافياً من التمديد، وإنما هي ربحت إيقاف العقوبات عند مستوياتها الحالية، وفتحت كما يقول رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية والعلاقات الدوليه أمير الموسوي حوارات مع الدول الغربية «وبذلك لا يستطيع احد ان يتحدث بعد الآن عن انزواء إيران السياسي». منحت المفاوضات النووية فرصة كبيرة لإيران في الجلوس علي طاولة واحدة مع أعضاء مجلس الأمن الدولي إضافة الي ألمانيا، ونجحت في اختراق الطوق الذي فرض عليها طوال الفترة الماضية، ووفّرت لها مجالات حوار مع الكبار في الأسرة الدولية بعد التعقيدات التي سبّبتها الأزمة السورية للسياسة الإيرانية. إن تطورات الأوضاع في المنطقة منذ انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية عام 1988 أظهرت قدرة إيران علي استيعاب المتغيّرات لتصب في مصلحتها ابتداء من التحالف الدولي الذي قاد تحرير دولة الكويت عام 1991 مروراً بأفغانستان والعراق وانتهاء بسورية والعديد من المناطق الأخري، فقد استفادت إيران من أخطاء الآخرين ومن نجاحاتهم علي حد سواء. وتري مصادر إيرانية ان الأشهر السبعة المقبلة، وإن ستكون ثقيلة لجهة استمرار العقوبات الاقتصادية وهي خطوة قد تكون الولاياتالمتحدة تريد تجذيرها في الداخل الإيراني، إلا ان طهران تحاول - كما تقول دائماً - تحويل التهديدات الي فرص، من اجل خلق مناخات جديدة تستفيد منها امنياً وسياسياً واقتصادياً لخدمة مصالحها الداخلية والإقليمية والخارجية.