يستعد المغرب لإجراء إحصاء ميداني شامل للسكان والسكن في أيلول (سبتمبر) المقبل، تنفذه «المندوبية السامية في التخطيط»، لتبيان عدد السكان وتوزيعهم الجغرافي، وتحديد التطور المسجل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية والتعليمية التي حصلت خلال السنين ال 10 الماضية. وكان الإحصاء الأخير الذي أجري عام 2004 أظهر أن إجمالي عدد السكان بلغ نحو 30 مليون شخص، ولكنه لم يشمل الأجانب والمغتربين. وأشارت مصادر إلى أن الملك محمد السادس اطلع الأسبوع الماضي على تفاصيل العملية التي رُصد لها 600 مليون درهم (73.4 مليون دولار) و50 ألف إحصائي، معظمهم من رجال التعليم، ونحو 3700 من الخبراء والمشرفين. وأفادت «المندوبية السامية في التخطيط» بأنها قسّمت المغرب إلى 48 ألف منطقة سكنية، بمعدل 100 أسرة في كل وحدة إحصائية، كما ستُعتمد خرائط حديثة وأنظمة الأقمار الاصطناعية وخدمات «جي بي اس» لرصد أماكن تواجد سكان الجبال والقرى النائية. وأكدت أن الإحصاء سيشمل الأجانب المقيمين في المغرب بطرق قانونية وغير قانونية، والسياح العابرين المتواجدين خلال فترة الإحصاء، ولكنه لن يشمل المغتربين إلا إذا كانوا في المغرب عند إجراء الإحصاء. ويقدر عدد المهاجرين بنحو 5.5 مليون شخص، نحو ثلاثة ملايين منهم في دول الاتحاد الأوروبي. وشرع المغرب في تسوية أوضاع المغتربين واللاجئين، خصوصاً من إفريقيا جنوب الصحراء ومن بعض الدول العربية مثل العراق وسورية وفلسطين والاتحاد الأوروبي والصين والأميركتين. ويحتاج المغرب إلى تحديث معطياته الإحصائية ومؤشراته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لتقديمها إلى المؤسسات الدولية التي لا يزال بعضها يعتمد أرقاماً قديمة في مجالات التنمية البشرية والتطور الاجتماعي والدخل الفردي وتعليم الفتاة القروية ومعدلات عمل الشباب، ما يثير ردود فعل الحكومة المغربية. جدل إحصائي وأثير الأسبوع الماضي جدل سياسي - اقتصادي صاخب بين الحكومة و «المندوبية السامية في التخطيط» حول طريقة احتساب عدد من المؤشرات، منها معدلات النمو والتضخم والفقر والبطالة وعجز الموازنة والمديونية وغيرها. وقال رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران أمام البرلمان: «أتفهم بعض الإحصاءات ولكني لا افهم التعليقات عليها من قبل المندوبية ورئيسها»، في إشارة إلى المندوب السامي الوزير السابق في الحكومة الاشتراكية احمد الحليمي الذي يرى بعض أطراف الحكومة أنه لا ينصفها في القضايا الاقتصادية والاجتماعية. وكانت المندوبية شككت في توقعات الحكومة في شأن النمو الاقتصادي، مؤكدة أنه سيراوح بين 2.4 و2.8 في المئة نهاية السنة، أي المؤشر ذاته الذي اعتمده المصرف المركزي والبنك الدولي وصندوق النقد، بينما تحدث الحكومة عن نمو نسبته 4.4 في المئة، اعتماداً على استقرار الأسعار الدولية وتحقيق موسم زراعي متوسط. وكانت المندوبية قدمت إحصاءات لم تعجب الحكومة التي ترغب في استغلال المؤشرات لدواعٍ سياسية وانتخابية. ونشرت المندوبية الأسبوع الماضي استطلاعاً للرأي، أغضب الحكومة إذ أظهر أن مؤشر الثقة لدى الأسر المغربية تراجع 4.2 نقطة مقارنة بنهاية عام 2012، مؤكدة أن مستوى المعيشة يتجه إلى الانخفاض 6.7 نقطة، ومعدل البطالة ارتفع إلى أكثر من تسعة في المئة، كما أن ثلث السكان يقترضون مبالغ مالية لتلبية الحاجات الأساس التي زادت أسعارها، في حين أن 83 في المئة من الأسر باتت غير قادرة على الادخار، مع استمرار حال التشاؤم الاقتصادي لهذه الفئة للفترة المقبلة بسبب ارتفاع الأسعار. وطالبت جهات في الحكومة بتغيير القانون المنظم للمندوبية أو تأسيس أخرى تكون تابعة وناطقة باسم الحكومة ومنجزاتها باسم «وكالة الإحصاء والتوقعات الاقتصادية»، ما استدعى رداً من المندوبية أكدت فيه أنها تعتمد معايير علمية ذات صدقية لدى المهتمين والمؤسسات الدولية». واعتبر محللون أن استقبال الملك رئيس «المندوبية السامية في التخطيط» إشارة إلى دعم استقلالية المؤسسة الإحصائية عن سلطة الحكومة، كما ينص الدستور الجديد. وأكد بيان صادر عن القصر الملكي عقب الاستقبال «ضرورة الحفاظ على استقلالية المندوبية السامية في التخطيط كمؤسسة رسمية للمعلومات الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتنسيق الوثيق بين كل المؤسسات الحكومية والهيئات الوطنية المعنية بالمعطيات الإحصائية، وبما يعزز صورة وصدقية المغرب لدى الشركاء الأجانب والمؤسسات الدولية».