لو لم تحمل «الجائزة العالمية للرواية العربية» اسم «البوكر» هل كانت لتحظى بما تحظى به اليوم من اهتمام وولع وشغف لدى الروائيين العرب والنقاد والقراء؟ لا، بالطبع. اسم «البوكر» كافٍ وحده لمنحها هالة وربما رهبة لم تعرفهما جوائز عربية أخرى، بعضها أهمّ وأصدق من هذه الجائزة «المستوردة» صفة وشكلاً ونظاماً... إنها الجاذبية التي تمارسها جائزة «البوكر» البريطانية الموجّهة إلى العالم الأنغلوفوني، على أهل الرواية العربية واتباعهم، بخاصة على القراء الذين باتوا على قناعة بأن الرواية التي تفوز بهذه الجائزة هي عمل يستحق القراءة. ولعل هنا يكمن سر «البوكر» العربية، في قدرتها على الترويج وغزو لوائح «الأكثر مبيعاً»، وهذه ظاهرة لم تشهدها سوق الرواية العربية سابقاً. حتى نجيب محفوظ لم يكن تنعم رواياته بطبعات متتالية كما يحصل اليوم مع الروايات «البوكرية». لولا هذا الأثر الترويجي والهالة «المستعارة» لكانت هذه الجائزة عادية مثل بقية الجوائز العادية. أما ما لا يمكن التغاضي عنه فهو أن الروايات الفائزة ب «البوكر» حتى الآن لا تمثل حقيقة الإبداع الروائي العربي، على رغم أهمية بعضها. إنها نماذج بسيطة من قلب هذا الإبداع ومن هامشه، لكنها إذا جمعت معاً، فهي تبدو عاجزة عن منح صورة صحيحة وسليمة عن واقع الرواية العربية الراهنة وآفاقها ومعطياتها، في اللغة والأساليب والجماليات... وقد لا يكون مفترضاً بمثل هذه الجائزة، وبأي جائزة أصلاً، أن تؤدي مثل هذه الوظيفة، لكن الالتفاف المستغرب حول «البوكر» العربية والسجال الذي تثيره كل سنة، وهو لا نهاية له في ما يبدو، هما اللذان يسبغان عليها هذا الطابع «الإشكالي» ويلقيان على عاتقها ما ليست قادرة هي نفسها، على تحمله والمضي به. وقد عمد بعض الكتّاب إلى ربط «النهضة» أو «الفورة» الروائية الراهنة عربياً، بجائزة «البوكر»، وهذا ضرب من التخريف النقدي. لم تظلم جائزة «البوكر» أحداً من الروائيين العرب الطليعيين، لكنها كرّمت روائيين هم دون مقام هذا التكريم. جعلت بعض الفائزين بها نجوماً للفور، ولو إعلامياً وليس إبداعياً البتة. لكنّ الروائيين الطليعيين الذين «سقطوا» في امتحانها ظلوا كما هم، في مقدم المشهد الروائي، بل إن الجائزة هي التي خسرتهم وافتقدت أسماءهم. لكنها أمزجة لجان التحكيم تتحكم ب «النتائج»، وهذا حقها، ما دامت هي المولجة بهذه المهمة. وبدا لافتاً النقد الذي وجّه - ويوجّه - إلى هذه اللجان مع كل دورة من دورات الجائزة وهي بلغت السبع هذا العام، وغدت إدارة الجائزة في حال من التجاوب مع هذا النقد، فبدّلت أكثر من مرة «مواصفات» المحكمين تبعاً لآراء المنتقدين، بين محكمين هواة لا علاقة لهم بالنقد ولا بالرواية، ومحكمين أكاديميين وآخرين شبه أكاديميين... وفي هذه الدورة طغى الأكاديميون على اللجنة ولم يسلم هذا الخيار من النقد. فالأكاديميون العرب بمعظمهم ليسوا من قراء الرواية، لا سيما الحديثة والعالمية، معظهم من أهل النظريات والمناهج، ويفتقدون الذائقة الجمالية والإحساس العميق بالعمل الذي يماثل «اللذة» التي تحدث عنها رولان بارت. أما اللافت في هذا السياق، فهو الإصرار على تضمين اللجنة التحكيمية مستشرقاً أو مستعرباً يُؤتى به كيفما اتُفق، ومعروف أن المستشرقين القدامى والجدد ليسوا من المتضلّعين من الأدب العربي الحديث وما بعد الحديث، ولا قدرة لديهم على قراءة واقع الأدب الراهن وعلى استشراف مستقبل هذا الأدب. إنهم غالباً أصحاب ذائقة قديمة لا تتخطى الجاهز والثابت والمستهلك، وهم يميلون عادة إلى قراءة الأدب من وجهة سياسية أو «حضارية» متكئين على ركام من الأفكار والآراء المسبقة. هذا «الاختيار» الاستشراقي لا يمكن أن تنتهجه «البوكر» البريطانية، في معنى أن تضمّن لجنة التحكيم «مستغرباً» عربياً مثلاً، وما أكثر «المستغربين» في أوروبا وأميركا، من طلبة وأكاديميين، وبعضهم يكتبون النقد بالأجنبية. إنها مسألة الانبهار ب «المستشرقين» التي ما زالت مستشرية في عالمنا العربي. ويكفي أن نتذكر المستشرقة التي استعانت بها لجنة «البوكر» العام الماضي من غير أن تتحرى عنها، وهي من هي في... أما البدعة التي يصعب الأخذ بها فهي ضرورة التمثيل «القطري» أو «الإقليمي» وكأن الجائزة ذات بعد قومي عربي أو ديبلوماسي. كأن يجب أن تحضر في القائمتين، الطويلة والقصيرة، أسماء تمثل الخريطة العربية أو معظمها، وإلّا فالجائزة منحازة وغير عادلة. هذه حقاً إحدى آفات جائزة «البوكر» العربية.