بعض الحقائق نعيشُها، ومع ذلك نفاجأ عندما تُحكى لنا. في نقاش ثري مع متخصص حول معوقات العملية القضائية اندهش محاوري عندما قلت له: هل تعلم أن الدعوى المستندة إلى إقرار المدعى عليه، يستطيعُ المماطلُ فيها تأجيل إلزامه بدفع الحق إلى أكثر من سنتين مستمسكاً بحقوقه المنصوص عليها في أنظمة المرافعات؟ لا غرابة في الموضوع، فمكمنُ الإشكال هنا هو في استغلال حق أصيل تقرره أنظمة المرافعات وترعاه مبادئ العدالة، وهو مبدأ حق المواجهة. من حقوق المتقاضين أمام القضاء حق المواجهة بين الخصوم، وهو أن تتم جميع إجراءات الخصومة التي يباشرها أحد الخصوم في مواجهة الطرف الآخر بحيث يعلم بها سواء عن طريق إجرائها في حضوره، أم عن طرق إعلانه بها، أم تمكينه من الاطلاع عليها ومناقشتها. فالخصومة يجب أن تنظّم على أساس المواجهة بين أطرافها، وإعمال حق الدفاع للخصوم بإطلاع كل طرف على طلبات خصمه وبيناته والتمكين من الرد عليها والطعن في حجيتها، وأن يحاط الخصوم بكل إجراء يتخذه القاضي لمناقشته والاعتراض عليه إذا أجاز النظام ذلك. وهنا ينبغي أن نقول إنّ المواجهة شرط في كل عدالة، وهي ركيزة طمأنينة الأفراد في الجهاز القضائي وأحكامه، إذ تتكافأ فرص الخصوم أمام القضاء، وهي من النظام العام الذي يترتب على مخالفته البطلان، لكنّ الإفراط فيها يُتيح للمماطلين ممارسة بغيهم وظلمهم. مقصود النظام هو إقامة العدالة الناجزة التي لا تنتهك حق أحد لكونه مدعى عليه، فلا يجب أن تفهم نصوص النظام وتطبّق على وجه يخالف روحها ومقاصدها السامية، فيسلب المدعي من حقه في العدالة الناجزة. * القاضي بديوان المظالم سابقاً [email protected] alsgaih@