بدأت محكمة داخلية تتبع جماعة «الإخوان المسلمين» الأردنية، كبرى الجماعات السياسية في البلاد، محاكمة مجموعة من القيادات الإخوانية القريبة من السلطة، بعد تمرد صريح من هذه القيادات على حكومة الجماعة المصغرة (المكتب التنفيذي)، إثر إطلاقها قبل أشهر مبادرة سياسية نادرة اسمتها «زمزم»، شنت من خلالها هجوماً قوياً على قيادة التنظيم، وأعلنت الانفتاح ضمنياً على مؤسسة الحكم. وتنذر المحاكمة التي انطلقت أخيراً في شكل سري، ومن دون حضور المتهمين، بمواجهة جديدة داخل الفرع الأردني المنبثق من الجماعة الأم في مصر. وكانت «الحياة» نقلت في وقت سابق على لسان قيادات إخوانية بارزة توجه الجماعة إلى محاكمة القيادات المحركة لمبادرة «زمزم». الجديد في هذا الخصوص، تمثل في رفض قادة المبادرة (الحمائم) الامتثال لقرار المحكمة الخاص بحضور جلسات المحاكمة، وعدم الاعتراف بشرعيتها، ما دفع قاضي المحكمة حسام الحوراني إلى إجراء المحاكمات غيابياً. واللافت أن القيادات المسيطرة على مقاليد الجماعة (الصقور) رفضت التحدث صراحة إلى «الحياة» في خصوص المحاكمات، في حين تحدثت القيادات المحالة على المحكمة في شكل علني، مؤكدة عدم اعترافها بالمحاكمات المذكورة وما سينتج منها من قرارات. وكان الرجل الثاني في جماعة «الإخوان» زكي بني ارشيد قال ل «الحياة» في وقت سابق، إن «ملف زمزم بات في يد محكمة داخلية، ولا يستطيع أحد التدخل في قراراتها». ورفض بني ارشيد أمس التعليق على قرار المحكمة المتضمن بدء الجلسات غيابياً، لكن قيادياً إخوانياً آخر قال ل «الحياة» إن «قاضي المحكمة استدعى المتهمين 3 مرات خلال الفترة الماضية، لكن من دون جدوى». وأضاف «يحق للمحكمة بدء المحاكمات غيابياً. هؤلاء الأشخاص متهمون بتشكيل كيان سياسي خارج إطار الجماعة، ومن خلال التنسيق مع جهات رسمية معروفة». لكن أحد زعماء المبادرة المحالين على المحكمة وهو الدكتور جميل دهيسات قال ل «الحياة» أمس إن «هناك قراراً بعدم المثول أمام المحكمة». وأضاف «هذه محكمة غير شرعية ونحن لم نرتكب أي أخطاء تبرر إحالتنا عليها». وتابع ان «المكتب التنفيذي تورط في إحالتنا على المحكمة، وإصراره على المحاكمات غيابياً سيؤدي إلى مشاكل كبيرة داخل التنظيم». وزاد ان «قيادة الجماعة الحالية هي التي يجب أن تحال على المحكمة. لقد وقعت في أخطاء كبيرة خلال فترة تسييرها أمور التنظيم». في المقابل، استبعد أحد قيادات المكتب التنفيذي أن تؤدي محاكمة «زمزم» إلى مشاكل كبيرة داخل التنظيم، وقال «المبادرة ولدت ضعيفة وستموت ضعيفة، والمحاكمات لن تؤدي إلى انشقاقات مهمة». وتقاضي الجماعة داخلياً كلاً من زعيم المبادرة الدكتور ارحيل غرايبة، والقيادي في المبادرة أيضاً الدكتور نبيل الكوفحي إضافة إلى دهيسات. ومن المقرر أن تطاول تحقيقات داخلية شخصيات إخوانية أخرى، أعلنت مراراً اللحاق في ركب المبادرة. والمحكمة التي تحاكم قيادات «زمزم» المذكورين، محكمة مركزية تتكون من 5 قضاة منتخبين. وفي حال قررت هذه المحكمة تجريم المتهمين، وهو أمر متوقع، فإن للأشخاص المدانين حق استئناف الحكم أمام محكمة عليا، تتألف من 7 قضاة منتخبين. وتتراوح الأحكام في حال الإدانة بين التجميد والفصل نهائياً من الجماعة، ويتوقع أن تصدر الأحكام النهائية في غضون شهرين على أبعد تقدير، وذلك استناداً إلى لوائح «الإخوان» الداخلية. ووفق هذه اللوائح، فإن الحكم الذي تصدره المحكمة العليا يعتبر حكماً نهائياً واجب النفاذ، ولا تستطيع أي جهة الطعن عليه. وكانت لجنة تضم عدداً من قيادات الجماعة التاريخية (توصف بأنها لجنة «حكماء») فشلت أخيراً في تقريب المسافات بين قيادات «زمزم» وقيادة الجماعة الحالية. وفشل كل من المراقب العام السابق للجماعة سالم الفلاحات والدكتور عبد اللطيف عربيات والدكتور عبد الحميد القضاة في رأب الصدع بين الطرفين، لا سيما بعد أن رفض المحالون على المحكمة التراجع عن مضمون المبادرة، في حين أصرت قيادة التنظيم على المضي في المحاكمات، وقالت إنها تتعرض لضغوط من قبل كوادرها للسير في الإجراءات. وأشهرت مبادرة «زمزم» في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، خلال احتفال كبير أقيم في أحد المقار التابعة للحكومة، وحضرته شخصيات رسمية رفيعة عرفت بعدائها التاريخي لجماعة «الإخوان». وبرر قادة المبادرة هذه الخطوة، بالسعي إلى التواصل مع مختلف مكونات المجتمع الشعبية والرسمية، والانفتاح على الجميع. وتسعى «زمزم» وفق بياناتها الرسمية إلى خرق جدار يحقق الإصلاح السياسي والاقتصادي في البلاد، وينهي ما يعرف أردنياً بثنائية النظام وجماعة «الإخوان»، وهي الجماعة التي تمر اليوم في أسوأ ظروفها، لا سيما بعد إطاحة تنظيمها الأم عن سدة الحكم في مصر، وتراجع نفوذ أفرعها في دول الربيع العربي. وكانت جماعة «الإخوان» شهدت على فترات متلاحقة انقسامات عديدة خرج إثرها من التنظيم قيادات تاريخية كبيرة، لكن هذه الانقسامات لم تؤد في المحصلة إلى تشظي الجماعة أو تفسخها.