علمت «الحياة» أن الاتصالات السرية التي جرت خلال الأيام القليلة الماضية بين إحدى الجهات السيادية في عمان وجماعة «الإخوان المسلمين» التي يسيطر عليها التيار المحافظ (الصقور)، باءت بالفشل. وكانت الجهة السيادية القوية في البلاد طرحت قبل أيام مبادرة حوار جديدة على «الإخوان» (غير معلنة)، لكن قيادات «إخوانية» تسيطر على قرار التنظيم رفضت المبادرة جملة وتفصيلاً، واشترطت أن ينطلق الحوار عبر بوابة القصر بقيادة رئيس الديوان الملكي فايز الطراونة، ورعاية شخصية من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني. وعلم أن مراقب الجماعة الشيخ همام سعيد يرفض رفضاً قاطعاً الذهاب إلى أي طاولة حوار ترعاها جهة غير سياسية، في حين أبدى قادة آخرون مرونة أكثر، منهم على سبيل المثل الرجل النافذ داخل التنظيم زكي بني أرشيد الذي أكد ل «الحياة» أن لا شروط مسبقة في خصوص الجهة التي يمكن أن تحاور الحركة الإسلامية. وقال مصدر في الجماعة رفض كشف اسمه، إن الاتصالات التي جرت مباشرة أو من خلال وسطاء «لم تفض حتى الآن إلى أية نتائج إيجابية. غالبية «الإخوان» تريد حواراً مع جهة سياسية». في غضون ذلك، برزت أصوات «إخوانية» رأت أن الفرصة غير مهيأة بعد «لبدء حوار سياسي أو أمني مع الدولة». وقال القيادي «الإخواني» في تيار الوسط الذهبي فرج شلهوب ل «الحياة»، إنه يجد صعوبة في فهم أجندة الحوار المقترح، متسائلاً: «كيف يمكن أن يكون (الحوار) منتجاً طالما أن أحد طرفيه يذهب مشرقاً والآخر يولي وجهه شطر الغرب، سواء في الموقف من الإصلاح السياسي، أو في قراءة ما يجري في الإقليم، أو في تحليل اللحظة السياسية الراهنة وتأثيرها في علاقته مع الآخر». لكنه اعتبر أن ثمة فرصة لحوار عاقل ومنتج «شرط أن تتوافر الإرادة لدى الطرفين». واستطرد بالقول: «ثمة مساحة واسعة للتفاهم شرط أن يغادر كلا الطرفين عقلية القلعة، والكف عن التمترس عند حدود الماضي». وكان المراقب السابق لجماعة «الإخوان» سالم الفلاحات أطلق تصريحاً نادراً قبل أيام قال فيه إن الحركة الإسلامية «لم تجد في النظام الرسمي من يتحدث بجدية عن التطلعات الشعبية والإصلاح إلا الملك فقط». وفهمت هذه التصريحات على أنها رسائل إيجابية تستهدف القصر مباشرة، وتسعى في شكل أو في آخر إلى تدشين حوار سريع مع كبار مرجعيات الدولة السياسية. والمؤكد أن إصرار قيادة «الإخوان» الحالية على أن يمر الحوار عبر القناة السياسية، تسبب برد فعل عنيف لدى السلطة، إذ بادرت الجهات الأمنية خلال الأيام القليلة الماضية إلى شن اعتقالات جديدة في صفوف شباب الجماعة تحت لافتة الإساءة إلى دولة شقيقة هي مصر، وإطالة اللسان على شخص الملك عبدالله. وكان المدعي العام لمحكمة أمن الدولة العسكرية أمر أول من أمس بتوقيف 3 ناشطين على خلفية حيازتهم ملصقات تحمل شعار «رابعة العدوية». ووجهت النيابة العسكرية إلى اثنين من الموقوفين تهمة «القيام بأعمال لم تجزها الحكومة من شأنها تعكير صفو العلاقات وتعريض المملكة لخطر القيام بأعمال عدائية»، فيما وجهت تهمة «إطالة اللسان وتحقير رؤساء دول» إلى الموقوف الثالث على خلفية ضبط رسائل على برنامج «واتسآب» قيل إنها تمس العاهل الأردني. لكن الناطق باسم الحكومة الأردنية، الوزير محمد المومني نفى أن يكون لقرارات الاعتقال أي بعد سياسي أو رد فعل انتقامي، وقال إن الاعتقالات التي جرت لبعض الناشطين «تمت بموجب أسباب قضائية وجنائية مختلفة». وكان العاهل الأردني أصدر في أيلول (سبتمبر) الماضي توجيهات بعدم محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، لكنها لم تدخل بعد حيز التنفيذ. وتوقف السلطات الأردنية حوالى 11 من شباب «الإخوان» اعتقلوا في وقت سابق بتهم مختلفة، منها التحريض على تقويض نظام الحكم. وشهدت جماعة «الإخوان» أكبر انشقاق عملي في صفوفها أول من أمس، بعد قيام عدد من قيادات التنظيم المحسوبين على التيار المعتدل (الحمائم) بإشهار كيان «إصلاحي» جديد أطلقوا عليه اسم «زمزم» ودعوا خلاله إلى احترام النظام الهاشمي، والاقتراب من السلطة، وعدم مقاطعة أية انتخابات تشريعية أو محلية تشهدها البلاد. وأقر أعضاء يمثلون المبادرة خلال حديثهم ل «الحياة»، بأن «زمزم مبادرة واقعية لما يمكن أن يسمى مغادرة صفوف الجماعة بعد الفشل الذريع الذي أفرزته سياسات التيار المتشدد خلال انتفاضات الربيع العربي، وإخفاقه بالتوصل إلى تفاهمات حقيقية مع الدولة». وأوضحوا أن أعضاء المبادرة «قد يعلنون في غضون الفترة المقبلة تحولهم إلى حزب سياسي جديد»، ما يعني عملياً انشقاقهم العلني عن تنظيم «الإخوان». وقال أحد قادة المبادرة الذي اشترط عدم ذكر اسمه: «لا نريد أن يقال إننا نسعى إلى شق الصف، أو نتهم بأننا ممولون من طرف أي جهة، وهي اتهامات غير صحيحة. إخفاقات الجماعة على الصعد المختلفة خلال الفترة الماضية ألزمتنا البحث عن مخرج». في المقابل، قال قيادي بارز في تيار الصقور ل «الحياة» إن قيادة الجماعة عقدت اجتماعاً طارئاً أمس، وقررت عدم اتخاذ أي قرار بحق أعضاء المبادرة «على اعتبار أنها مبادرة شكلية لن تؤثر في مسار الجماعة». وأضاف: «لا نريد أن يقال إن قيادة «الإخوان» تسعى إلى إقصاء أحد خارج التنظيم. والذي يريد الانشقاق عليه أن يفعل ذلك بنفسه». وكانت «الحياة» نشرت في وقت سابق تعميماً داخلياً وزع على كوادر الجماعة في جميع المحافظات يقضي بعدم التعاطي مع مبادرة «زمزم».