أن تسمع خبراً وأنت تقود سيارتك أو أن تصل إلى مكتبك، فتدير مفتاح الراديو، لسماع آخر أغنية أو برنامج يهمك، أو أن تتناقل معلومات قمية سمعتها من الردايو، سلوك لا يزال الألمان يتبعونه. فعلى رغم ثورة الإتصالات وما رافقها من تطور في وسائل الإعلام، وتنوّع مصادر المعلومات، لا يزال الراديو في ألمانيا، يحظى بمتابعة واسعة من قبل الفئات كلها. فقد تمكن على أقل تقدير ألا يخسر معركته، وأن يحافظ على حصته من البثّ والجمهور، من خلال برامج مهمة تلبي متطلبات المواطن وترد على كثير من أسئلته، وتناسب إيقاع يومه. ففي أيام العطل ونهاية الأسبوع، تخصص فقرات إذاعية، تناسب حالة الإسترخاء، وقد يتصل أحدهم من مكان ما ليتحدّث عن إجازته، وما هي المناطق التي زارها في رحلته، مشجعاً الآخرين، لزيارة هذا المكان أو ذاك. من البرامج ما يحاكي المشاكل الموسمية وكيفية إيجاد حلول لها، خصوصاً في فصلي الربيع والشتاء. ففي الربيع حيث يزداد الإهتمام بالحدائق، تطرح قضايا تعالج مشكلات الحدائق المنزلية، وكيفية العناية المثلى بها، والزهور التي يمكن زراعتها. أما في الشتاء، تُسمع وصفات لأفضل انواع الشاي الذي يجب تناوله أو الوجبات التي تجعل الجسد أكثر حرارة، إضافة إلى برامج الخدمات الطرقية، التي تُعتبر من أكثر البرامج متابعة، كونها تبث بالضبط في كل منطقة ومدينة، حال الطرق والثلوج وأخبار الإنزلاقات والحوادث، ما يوفر للمستمع حصيلة واسعة من المعلومات التي تسهّل عليه يومه وحركته. مجموعة من المقاطع الموسيقية، تبث في مختلف أنواع المحطات الألمانية، وأغانٍ تفتح الأفق وتجعل العالم أكثر قرباً، إذ تقدّم الاذاعات إضافة إلى الموسيقى الكلاسكية، طائفة من الأغاني المنوّعة من مختلف البلدان، من عربية وهندية وأميركية وبرتغالية، مع ذكر تفاصيل عن المغني، أو بلده. فمثلاً، بثت محطة «فيغرو» في العام الماضي أغاني لمرسيل خليفة، مع مقدّمة تعريفية به، في محاولة منها لتطعيم البثّ الإذاعي ب «نكهة» عالمية. وتلقى محاولاتها في أغلب الأحيان نجاحاً باهراً، خصوصاً عند فئة الشباب المتطلع نحو كل جديد ومعرفة ما خلف المحيطات. كذلك تحتل البرامج السياسية والتحليلات وإستضافة الصحافيين، مكاناً مهماً في البث الإذاعي، وما يتبعه من إتصالات هاتفية للاستفسار عن المواضيع المطروحة. ففي هذا المجال، حظيت الأحداث في سورية بتغطية إذاعية متنوعة ولقاءات مع صحافيين ألمان، زاروا سورية وتمكنوا من أيصال حقيقة ما يحدث هناك. كما تتابع المحطات الإذاعية الثقافية كل حدث ثقافي مهم في البلاد، كافتتاح معرض أو مهرجان سينمائي أو نشر كتاب جديد. ولكل فيديرالية ألمانية محطات إذاعية محلية خاصة، تختلف في برامجها وفي جمهورها. ووفق آخر الاستطلاعات، تبين أن إذاعة «ان دي أر تسفاي» في شليفيك هولستاين (شمال)، خسرت حوالى 43 ألف مستمع، بينما زاد مستمعوها 10 في المئة في مدينة هامبورغ حيث يتنوّع جمهورها. ويجذب راديو هامبورغ المحلي حوالى 400 ألف مستمع، وهو يبث موسيقى الروك ويقدّم خدمات متنوعة ويعنى بتغطية أخبار هذه المدينة الكبيرة وجوارها حيث ينشط الإعمار وتزدهر الأعمال. أما في مقاطعة سكسونيا السفلى، فتعتبر محطة «ديوتش لاند فونك» الأكثر متابعة ويستمع إلى فقراتها حوالى 81 ألف شخص. وتقدّم برامج سياسية وثقافية وإقتصادية. بينما حازت إذاعة « بريمن فير» في بريمن أعلى نسبة متابعة. وهي محطة محلية في بريمن غالبية مستمعيها من المسنين. وبالتوازي حصل برنامج بريمر ونيز على نسبة متابعة شبابية مرتفعة. كما كسب راديو «أم دي أر ون» في تورنغن حوالى 9 آلاف مستمع جديد، علماً أنه يعرف أن غالبية مستمعيه من المسنين. أما في برلين فإن الغالبة هي للبرامج الإخبارية والمحطات المحلية. ساعة بث واحدة ويلعب تاريخ البث الإذاعي في ألمانيا دوراً مهماً في ديمومة هذا القطاع. فقد ولد البث الإذاعي هناك في 29 تشرين الأول (أكتوبر) 1923، وكانت أول جملة بثت هي: انتباه، انتباه، هنا فوكس هاوس، على الموجة 400. سيداتي سادتي، سنعمل على مشاركتكم خدمات البث الترفيهي والموسيقى. وقد أستغرق البث الإذاعي للمرة الأولى ساعة واحدة. ومن ثم أديت فقرات موسيقية مباشرة، وكان المسؤول المباشر عن البث سكرتير المدينة هانس برودوا. ويعتبر البرليني فيلهلم كول هوف أول شخص حصل على رخصة راديو في ألمانيا، في مقابل 35 بليون مارك (حينذاك). وكان الجهاز الإذاعي الأول عبارة عن جهاز استقبال، كصندوق صغير تغطيه أسلاك نحاسية، على المرء أن يتعامل معها بدقة. ويقول رلينز شتاين المستشار الفني لأرشيف الإذاعة الألمانية: «كان على الشخص أن يمتلك أصابع ذات حساسية خاصة للتعامل مع اللاقط، وقد يمضي وقتاً في توليفه وبعد ثوانٍ من البث، يعود التوشيش مجدداً ما يتطلب منه إعادة ضبط اللاقط، وكان يحدث هذا مراراً». وحقق الراديو في ألمانيا سريعاً شعبية واسعة، فقد اقتناه حوالى نصف مليون شخص عام 1926، وتضاغف العدد في السنة التالية. كما ارتفع عدد المحطات الإذاعية باضطراد، وتركّزت أساساً في هامبورغ وبريمن (شمال).