«فيسبوك» الذي أُعلن ميلاده الأول في الرابع من شباط (فبراير) من عام 2004، يحتفل رواده اليوم بعيد ميلاده العاشر، وهو يحوي 1.2 بليون شخص حول العالم، ليصبح بذلك دولة تنتمي إليها شعوب قارات العالم بطبقاتهم المتنوّعة وفئاتهم المختلفة، تتيح لهم الارتباط المشترك، وتكوين الصداقات الوثيقة في ما بينهم. ولا يوجد مجال للشك حول تغيير «فيسبوك» لحياتنا، إذ يُعتبر البذرة التي نمت منها شجرة وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، خصوصاً أن ميلاده جاء بعد حلقات النقاش الثقافي والفكري في المنتديات، والتي كان من الصعب جداً أن يشاركوا تفاصيل حياتهم اليومية ومعلوماتهم الاجتماعية في ما بينهم. وكسر الفيسبوك «أحصنة» الحذر بين الافتراضيين، من خلال مشاركة التفاصيل الحياتية الدقيقة والخاصة، عبر مشاركة الآخرين معلوماتهم الشخصية مع الآخرين. كما استطاع أن يصنع تكتلات شبابية وثقافية وسياسية، وأصبح شريكاً فاعلاً في قيادة التغيير الاجتماعي والسياسي، وللسعودية نصيب الأسد، إذ فاق عدد الذين يسجلون الدخول إليه ربع إجمالي عدد مستخدميه، وفقاً لإحصاءات «فيسبوك» نفسه، إذ بلغ عددهم أكثر من 5 ملايين. مجتمع «شفاف» ما زال «فيسبوك» من جهة المعلومات الشخصية يحاول إيجاد «مجتمع شفاف» داخل المجتمع السعودي الذي يبالغ في حذره بالخروج من «حصنه»، وبقدر الإمكان استطاع أن ينجح لحد ما مقارنة بما سبقه من مواقع ومنتديات، هذا ما يؤكده الكاتب تركي التركي وهو من أوائل المستخدمين للفيسبوك، مضيفًا أنه «يجب ألا يتوقف عند هذه المسألة لأن ميزة الأفكار ووفرة المعلومات وحرية تداولها تبقى أكثر ما يميزه عن العلاقات الاجتماعية الواقعية»، لافتاً إلى أن «ما يضبط الفيسبوك ويحكمه ابتداءً هو نوعية الأفكار، إضافة إلى مساحة الاختيار المتاحة والمرنة سلفاً، إذ إننا لسنا ملزمين بأصدقاء العائلة أو المدرسة أو العمل فقط، بل سيكون لدينا الخيار الأكبر لاختيار الأصدقاء بناء على الذائقة المشتركة فكرياً ومعرفياً، ومن ثم استمرار هذا الخيار إما بتوثيق العلاقة شخصياً لتمتد وتصبح علاقة واقعية ذات طعم ورائحة أو الاكتفاء بها افتراضياً أو حتى رفض العلاقتين معاً». ولا ينظر التركي إلى أن «فيسبوك» كعالم افتراضي جديد فقط، بل يمكن النظر إليه في شكل «منفصل عن واقعه الذي صنعه ومن ثم المقارنة بينهم بكل أريحية وموثوقية، ولكن هي مسألة تكاملية ومعقدة تماماً، إذ إنها من جهة امتداد للواقع الحقيقي ومن جهة أخرى، فإن الآلية الاجتماعية الجديدة التي تحكمها ما هي إلا إحدى أهم ممارسات الحرية، إذ تزداد مساحة الخيارات، وبالتالي نكون مطالبين بقرارات أكثر وبمسؤولية أكبر»، ويؤكد أن هذا «يعني أننا أصبحنا ملزمين بالإعداد التربوي والتنظيمي الجيد لمثل هذه العالم، سواء على مستوى الثقة العامة أم على مستوى الرقابة الذاتية لأفراد قادرين على اتخاذ قراراتهم وتحمل مسؤولياتهم بعيداً من محاولات التشكيك ونزع الثقة وبعيداً من التواصي والإغراق في مزيد من الرقابة الجماعية الوصائية وما قد تحمله من تخوف وتجنب وانغلاق». المواجهة بين القارئ والمثقف ومن على منصة «فيسبوك» كانت المواجهة الحقيقية بين القارئ والمثقف، من خلاله تعرّف الكاتب على قارئه الذي يتفوق عليه أحياناً، إضافة إلى التغذية الراجعة، ما يطور أداءه ويذكره بمسؤوليته، ففي تصريح سابق للكاتب شتيوي الغيثي إلى «الحياة» قال إن «فيسبوك» منح المثقف «علاقة مباشرة مع القراء، يعرف من خلاله ما هو حجم مقروئيته ورد الفعل عليه مباشرة، إذ أصبح المثقف شريكاً لا مرسلاً، فأصبح يستقبل الحدث، ويقرأ ذهنية المتلقي بأسرع مما كان، وربما أثر ذلك في مستوى كتاباته ونوعية اهتماماته الكتابية». رابطة الشعب مع المسؤول جسّر «فيسبوك» العلاقة شبه المنفصلة بين المواطن والمسؤول، إذ كان أول موقع يتواجه فيه مسؤول مع مواطنين من دون الحاجة إلى قيود المواعيد ومحاولات طرق الأبواب التي تفصل بينهم وبينه والكثير من التعقيدات التي حالت دون الوصول إليه، وهو الأمر الذي جعل طرح القضايا اليوم على الطاولة أمراً أسهل من السابق. وبرز عدد من الأشخاص الذين يتولون مناصب قيادية في الدولة، مثل وزير الثقافة والإعلام عبدالعزيز خوجة، ووزير العمل عادل فقيه، وعندما حدثت كارثة جدة الثانية لم يرق للمواطنين التغطية الإعلامية التي قام بها التلفزيون، بل لجأوا إلى «فيسبوك» لإيضاح تذمّرهم وانتقادهم على حائط الوزير في «فيسبوك»، من دون أخذ موعد مسبق من مدير مكتبه أو انتظار رده لفترة، والأمر ذاته انطبق على فتيات لجأن لحائط وزير العمل للكتابة إليه بأن يعتمد تأنيث المحال التجارية المخصّصة لبيع الملابس النسائية، بدلاً من ذكور يتسببون في إحراجهن، وأخريات ينادين بإقرار عملهن «كاشيرات» في المراكز التجارية الكبرى، بعد أن سئمن من مصارعة البطالة.