بلا شك أن شبكات التواصل الاجتماعي قد أحدثت تغيُّراً كبيراً في كيفية الاتصال والمشاركة بين الشباب والمجتمعات وتبادل المعلومات. كان من ضمن الكتب التي حصلت عليها في معرض الكتاب الأخير كتاب باللغة الإنجليزية للمفكر والباحث السياسي الدكتور جمال سند السويدي، وهو مدير مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بعنوانfrom tribe to facebook: the transformational role of the social Networks «وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التحولات المستقبلية.. من القبيلة إلى الفيسبوك». بدأت في تقليب الكتاب، شدتني الفكرة العامة التي ينطلق منها المؤلف؛ وهي أن القبيلة الواحدة تتكون من بطون وأفخاذ متفرقة وعصبيات متعددة، فلابد من عصبية أقوى تلتحم فيها جميع العصبيات وتنصهر وتصير كأنها عصبية واحدة كبرى، وإلا وقع الافتراق المفضي إلى الاختلاف والتنازع. هذا الافتراض والاستنتاج العلمي الدقيق حاول المؤلف إسقاطه على التحول في وسائل التواصل الاجتماعي. وضعتُ الكتاب جانباً بعد أن استفزَّ عندي كثيراً من الأسئلة لمحاولة إعادة قراءة المشهد الإلكتروني، كيف استطاع هذا الواقع الإلكتروني المعولم المتسم بالتوسع الكبير والكم الهائل من المعلومات تربطها شبكات الإنترنت وعدد لا يحصى من الأجهزة التي تربطها بالمؤسسات والشركات التي تقوم على هذه الشبكة وترتبط بها، أن يعيد تشكيل العلاقة بين الفرد والدولة على مستوى السياسات والممارسات. كيف تمكن من إيجاد تحدٍّ حقيقي من خلال قدرته على إدماج عالمين أو واقعين؛ واقع من يملك السلطة على إحداث التأثير بين الفواعل وبين مجال التفاعلات الإنسانية بكل ما تحمله من قوانين المنافسة. هذا الواقع الجديد بتحولاته السياسية والاجتماعية والمعرفية ستنعكس على تغير كثير من المسلَّمات، وبالتالي تحتِّم الاستمرار في قراءة واقع شبكات التواصل الاجتماعي، وأن تخضع هذه القراءة إلى التحليل الإبستمولوجي والتدقيق المعرفي. إلا أني في هذه العجالة سوف أحاول أن أطرح بعض الأفكار لعلها تكون محفزة لبحث أكاديمي جاد يعمل على تفكيك هذا الواقع الافتراضي وقدرته على التأثير على العلاقة بين الفرد كمجال للتفاعل والدولة كفاعل في التأثير. أعتقد أن هذا الواقع الإلكتروني وقوامه شبكات التواصل وتبادل المعلومات أحدث تغيراً في موازين القوى بين الفرد والدولة، فعمل على تقوية فاعلية الفرد في مواجهة الدولة، وهذه الفاعلية أخذت شكلين رئيسين، أولاً: القدرة على الوصول إلى المعلومة فالمعرفة قوة بحسب المفكر والسياسي اللبناني أنطون سعادة، فمن يملك المعلومة يكون قادراً على التحكم والسيطرة والتأثير. ففي حين كانت الدولة تملك المعلومة وتتحكم في تدفقها وبالتالي تصب في اتجاه واحد يهدف إلى الاستمرار في السيطرة والتأثير على الأفراد. أتاحت الشبكات الاجتماعية، على غرار موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» وتحديداً «فيسبوك» الذي يقارب عدد مستخدميه النصف مليار، للأفراد العاديين الوصول إلى المعلومات والمعرفة إلى الدرجة التي لا يمكن للدولة تجاهلها أو التحكم فيها. بل أوجدت الأهم من ذلك، مشاركة الناس بأنفسهم وبمختلف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية في صنع الخبر ونشره بأقصى سرعة. كنت جالساً مع أحد الزملاء الصحفيين في أحد المقاهي، وكان منشغلاً بجواله ثم التفت إليَّ وقال: وسائل التواصل الاجتماعي جعلت كل فرد محرراً صحفياً افتراضياً وانقرض دورنا كمحررين واقعيين. ليس هذا فحسب، بل أصبحت الدولة تواجه باستمرار ضغط الرأي العام الذي أصبحت المعلومات الجديدة والآنية بين يديه. بالتالي أصبح الفرد عبر وسائل التواصل الاجتماعي أداة رقابية وتوجيهية مؤثرة في سياسات وقرارات المؤسسة السياسية. وبناء عليه أصبحت الدولة أمام خيارين؛ إما الحضور على شبكات التواصل الاجتماعي لتحسين صورتها أو لتحويل الأفكار السلبية التي يمكن أن تتشكَّل لدى الرأي العام إلى إيجابية عبر التفاعل معهم بالطريقة المثلى، أو الخيار الآخر وهو العمل على وقف تدفق المعلومات ومحاولة السيطرة عليها. والأخير محاولة فاشلة ووقوف أمام الطوفان، فلا يمكن لأي سلطة سياسية الوقوف أمام هذا الكم الهائل من المعلومات والسيطرة عليها، ومن أبرز الأمثلة هو الحرب المعلوماتية التي دشنت بين الصين وشركة محرك البحث الأهم في العالم ‹›جوجل›› وهي محاولة فاشلة للعودة للسيطرة على المعلومات والتحكم في تدفقها. وبالتالي فالحضور الفاعل لدى مختلف المؤسسات السياسية يعدُّ الخيار الأفضل والأسلم بدلاً من محاولة استهداف وسائل التواصل الاجتماعي من خلال الدعاية الموجهة. ثانياً: القدرة على الحشد وضعت وسائل التواصل الاجتماعي الأفراد العاديين من المستخدمين في وضع من يستطيع إيجاد شبكات متجاوزة للدول والقوميات؛ إذ دفعت هذه الوسائل بالأفراد العاديين إلى التحرك والمشاركة في الحياة العامة من خلال التبادل والمشاركة في المعلومات، وهو ما أدى إلى مراكمة عناصر القوة لدى الأفراد في مواجهة الدولة، فوسائل التواصل الاجتماعي وتحديداً الفيسبوك من خلال قدرته على إيجاد هذه الشبكات المتجاوزة للدول، كانت وراء ما يسمى «ثورات الربيع العربي»، فكانت تتم الدعوة للمظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بكثير من الأنظمة. وأياً كان رأيي فيما يسمى «الربيع العربي» وما نتج عنه من شتاء من الدماء والفوضى والدمار وعدم الاستقرار السياسي، فالقصد أنها ثورات شعبية حركتها وسائل التواصل الاجتماعي خاصة الفيسبوك وتويتر عن طريق قدرتها على حشد الناس وتجميعهم وتعبئتهم. وبالتالي لا أنكر أهمية وضرورة وجود تشريعات وضوابط لمواقع التواصل الاجتماعي، ولكن الأهم قبل سن القوانين والأنظمة هو زيادة مستوى الوعي لدى الأفراد وخاصة الشباب، وتحديداً فيما يتصل بالقيم والسلوك والاقتناع أو التعبئة، وكذلك زيادة مستوى الحرية لدى المؤسسة السياسية، فمن خلال جمع الوعي الاجتماعي والحرية السياسية نكون قد وصلنا إلى تكامل سياسي اجتماعي، وبالتالي عملنا على ضبط العلاقة بين الفرد والدولة. * أكاديمي وباحث سعودي