تواصلَ «البينغ بونغ» الإسرائيلي – الأميركي أمس أيضاً على خلفية تحذير وزير الخارجية الأميركي جون كيري الدولة العبرية بأن «الازدهار والأمن اللذين تنعم بهما هما وَهْم موقَّت» وأنها ستتعرض إلى مقاطعة دولية في حال فشلت المفاوضات مع الفلسطينيين. وردت إسرائيل بعنف على هذا التحذير، ما حدا بوزارة الخارجية الأميركية إلى إصدار بيان توضح فيه أن كيري معروف بوقوفه إلى جانب إسرائيل وأمنها. واعتبر رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو في مستهل الاجتماع الأسبوعي لحكومته أمس أن محاولات فرض المقاطعة على إسرائيل «غير أخلاقية وليست مبرَرة ولن تحقق هدفها». وأضاف أن «محاولات فرض المقاطعة تدفع الفلسطينيين إلى التمترس وراء مواقفهم الرفضية وتُبعد السلام»، مشدداً على أن أي ضغط على إسرائيل «لن يثمر، ولن يدفعني نحو المساومة على المصالح الحيوية لإسرائيل، وفي مقدمها أمنها». ويأتي هذا الكلام في وقت نقلت الإذاعة العسكرية عن مسؤولين سياسيين إسرائيليين تحدثوا إلى نتانياهو قولهم إن الأخير «قلق جداً من اتساع المقاطعة في حال فشلت المفاوضات». وكانت تحذيرات كيري التي أطلقها في «مؤتمر الأمن» في ميونيخ تصدرت عناوين الصحف العبرية، وجاء في عنوان كبراها «يديعوت أحرونوت»: «كيري يهدد ... الولاياتالمتحدة وأوروبا تعززان الضغط على إسرائيل». وأضافت في عنوانها الثانوي أن ثمة تلميحات أوروبية بأنه في حال ردت بنعم على اتفاق مع الفلسطينيين، فإنه سيتم ضمها إلى الاتحاد الأوروبي، ولن تطالَب بإعادة الجولان السوري المحتل. تحذير كيري وأعلن كيري في ميونيخ، على مسمع رئيس طاقمي المفاوضات الفلسطيني والإسرائيلي صائب عريقات وتسيبي ليفني، أنه سيواصل العمل على إرساء السلام ويساوره أمل في تحقيق ذلك. لكنه أضاف: «لا أعتقد أننا واهمون ... نحن نعمل بجد لأن عواقب الفشل غير مقبولة ... ومع ذلك، وفي ظل التعقيدات في الشرق الأوسط لا يمكن استثناء إمكان عدم التوصل إلى تسوية». وأردف محذراً إسرائيل: «هناك ازدهار موقت وأمن موقت في إسرائيل، لكن ذلك وهْم، وسيتغير كل ذلك مع فشل المحادثات، وتواجه إسرائيل مخاطر أكبر». وأضاف متسائلاً عن الانعكاسات السلبية لفشل المفاوضات على إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وقال: «هل سيبقى قادة السلطة الملتزمون عملية السلام في الحكم، أم نرى المزيد من التطرف والعنف؟ وكيف سيكون رد الفعل الخائب لدى الفلسطينيين والعرب؟ وماذا سيكون مصير المبادرة العربية للسلام؟ ماذا سيعني الفشل وإلى ماذا سيشير بالنسبة إلى قدرة إسرائيل في البقاء على ما هي عليه اليوم دولةً ديموقراطية ويهودية؟ ففي إطار مبنى ثنائي القومية، فإن الناس ستطالب بحقوقها كاملة». وأضاف: «لا يمكن أن نتوقع كيف يمكن لإسرائيل أن تتعاطى مع حملة نزع الشرعية المتعاظمة، ثمة حديث عن مقاطعة وما شابه، وسيتفاقم ذلك في حال فشل المحادثات. وهل سيكون لنا جميعاً أفضل مع أمور كهذه». وأضاف أنه لا يمكن الإبقاء أو على الوضع القائم حالياً بين إسرائيل والفلسطينيين، «إنه وهم ... الوضع الراهن غير قابل للحياة، من المهم بالنسبة إلينا جميعاً حل هذا الصراع». وكرر التزام الرئيس باراك أوباما والتزامه الشخصي أن الاتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين هو المفتاح لتغيير المنطقة. ردود إسرائيلية شديدة اللهجة وتسابق وزراء المعسكر اليميني في الحكومة في التهجم على كيري، وبدا وزير الشؤون الاستراتيجية يوفال شتاينتس، القريب من نتانياهو، أشد لهجةً من رئيسه، إذ قال إن تصريحات كيري في شأن مقاطعة إسرائيل «مسيئة ولا تطاق»، مضيفاً أنه لن يكون ممكناً أن يفرضوا على إسرائيل أن تدير مفاوضات بتوجيه المسدس لصدغها». وقال زعيم «البيت اليهودي»، وزير الاقتصاد نفتالي بينيت إنه توقع من أكبر صديقة لإسرائيل في العالم أن «تقف إلى جانب إسرائيل في مواجهة موجة المقاطعة المعادية للسامية، لا أن تكون بوقاً لها». وأضاف: «أريد أن أقول بكل وضوح لكل مقدمي النصائح: لم يولد بعد شعب يتنازل عن حقوقه بفعل التهديد الاقتصادي، ونحن أيضاً ... فقط الأمن يحقق السلام، وليست دولة إرهاب قريبة من مطار تل أبيب». وأضاف زميله من الحزب ذاته، وزير البناء والإسكان أوري أريئل إن «الشيء الوحيد الذي يعتبر وهماً هو شعارات السلام التي جاء كيري لتسويقها هنا»، متهكماً من أن الفلسطينيين لم يحلموا بوسيط «متزن» كهذا. أما وزير الدفاع موشيه يعالون الذي يشارك في «مؤتمر الأمن» في ميونيخ، فقال لنظيرته الألمانية أنجيلا ميركل إنه «لا يمكن الثقة بالفلسطينيين، ولا يوجد أمل في التوصل معهم إلى اتفاق». وجاء هذا الكلام مناقضاً لتصريح ليفني في المؤتمر بأنه في نهاية المحادثات ستقوم دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. لكنها شددت هي أيضاً على أنه «لن يكون هناك اتفاق مع السلطة الفلسطينية من دون ضمان أمن إسرائيل، والشرط الأهم لأي تسوية هو عدم تحول الضفة الغربية إلى قطاع غزة جديد». رد واشنطن وردت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية على تصريحات نتانياهو ووزرائه ببيان قالت فيه إن الولاياتالمتحدة تأمل من إسرائيل في عدم تشويه تصريحات كيري، و «وزير الخارجية عرف وتوقع وجود معارضة لجهوده ولحظات صعبة خلال العملية، لكنه يتوقع أيضاً من الأطراف جميعها أن تصف بدقة ما أعطاه (في مسألة معارضة مقاطعة إسرائيل)». وتابعت أن كيري اعتُبر على مدار ثلاثة عقود من أكبر المؤيدين لإسرائيل في ما يتعلق بأمنها، ومن أشد المعارضين لمقاطعتها، و «فقط في العام الماضي التقى وزراء خارجية دول الاتحاد وحضهم على الامتناع عن اتخاذ خطوات من هذا القبيل». وأشارت إلى أن كيري أكد في كلمته في مؤتمر ميونيخ وبإصرار على ضرورة حماية مصالح إسرائيل، «لكنه رداً على سؤال عن العملية السياسية، كرر حقائق معروفة للجميع طرقها في الماضي في ما يتعلق بمخاطر فشل العملية السلمية». وأضافت أن كيري تحدث أيضاً عن انعكاسات الفشل على الفلسطينيين، و «التطرق الوحيد لإسرائيل كان من خلال وصفه الخطوات التي تتخذها جهات أخرى عارضها هو دائما». تهديد أوروبي بعقاب شديد ونقل المعلق السياسي في صحيفة «يديعوت أحرونوت» شمعون شيفر عن مسؤولين كبار في الاتحاد الأوروبي «تهديدهم الواضح» بأن ثمة مبادرة أوروبية متشددة ضد إسرائيل مطروحة على الطاولة في حال فشل المفاوضات تقضي بفرض عقوبات شبيهة بالعقوبات الدولية التي فرضت على النظام العنصري في جنوب أفريقيا في سبعينات القرن الماضي «تجعل من إسرائيل دولة جرباء»، مضيفاً أنه في حال نجحت المفاوضات، فإن «الجزرة الأوروبية» ستتمثل بمنح إسرائيل مكانة عضو في الاتحاد الأوروبي من خارج أوروبا، على ما تنطوي عليه هذه المكانة من امتيازات اقتصادية كبيرة».